قبل أن تدور رحى المعركة الطاحنة في المشرق العربي فتأكل الأخضر واليابس، وقبل أن تقذف حمم الموت الأسود على رؤوس العراقيين كما يحدث لأهلنا في فلسطين بتعاون صهيوني أمريكي، تدور معركة أخرى في نفوس مواطني العالم وشوارعه ومنتدياته. أجل، إنهم مواطنو العالم. ورغم الفروق في الألوان والألسنة والثقافات فهم جميعا لأب واحد وأم واحدة وكوكب واحد وإله واحد، فقد أجمعوا على رفض الحرب الظالمة وخرجوا في الشوارع والساحات يمشون ويهتفون ضد العدوان وسفك الدماء بغير حق. أدركوا كلهم أن الولاياتالمتحدة قد تجاوزت المدى وتخطت كل الحدود والأخلاق والقيم، وأنها ظالمة مستكبرة دون أدنى شك. وازداد الأمر جلاء وتأكيدا عندما انكشف أمر تواطئها مع الكيان الصهيوني ومشاركة جيوشها في اجتياح المدن الفلسطينية إلى جانب قوات الاحتلال، وتحويل الشعب الفلسطيني إلى فئران تجارب لها ولتقوم بعد ذلك بالتطبيقات الكاملة على الشعب العراقي. فلم تتوقف الإدارة الأمريكية على خلاف الشعب الأمريكي عن مد دولة العدو الصهيوني بالأموال والدعم السياسي منذ عدة عقود، بل أضافت إليهم المدد بالعساكر يشاركون في قصف المدن الفلسطينية وتخريب البيوت ودكها فوق ساكنيها. المعركة الدائرة في نفوس الناس في العالم هي بين الصورة الزاهية التي كانت تروجها واشنطن عن نفسها منذ قرن من الزمان، والصورة الدموية المظلمة التي ظهرت حقيقتها هذا العام. لقد أدركت جماهير غفيرة في شتى عواصم العالم أن الولاياتالمتحدة استكبرت استكبارا، وجنت جنونا، وأن عقيدة دينية غريبة تحرك صقور البيت الأبيض وفريق الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن. عقيدة تجعل من الولاياتالمتحدة شعب الله المختار الذي أرسل إلى العالم لأداء رسالة وإنجاز مهمة هي تأسيس إمبراطورية دينية جديدة تقضي على الشر وتزرع الخير، وتمحو الظلمات وتنشر النور، وتملأ الدنيا عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا، والحال أن الشر أصبح لا يزرع إلا بيدها، وأن الخير لا ينزع إلا بكفها، وأنها تمحو النور وتنشر الظلمات وتملأ الدنيا ظلما وجورا بتخطيها لكل القوانين والأعراف والهيئات الدولية مثل رفضها توقيع اتفاق كيوطو حول انبعاث الغازات المضرة، واتفاق القضاء على الصواريخ الباليستية، واتفاق إنشاء محكمة الجزاء الدولية، والألغام ضد الأشخاص، وبروتوكول الأسلحة البيولوجية، والأسلحة النووية، والأسلحة الصغيرة جدا، واتفاق التعامل مع أسرى الحرب، وربما تكون الخطوة الأخيرة هي رفض قرار مجلس الأمن. والإدارة الحالية لا تمثل حقيقة موقف الشعب الأمريكي الذي ترفض غالبية كبيرة منه العدوان على الآخرين والمغامرات العسكرية الخارجية رغم هيمنة الإعلام اليميني الإنجيلي. قرار شن العدوان وتحديد ساعته ربما اتخذ يوم الأربعاء الأخير من شهر فبراير، يوم ألقى الرئيس الأمريكي خطابا عن ذلك، لكن قرار إلغائها أو إيقافها إن بدأت ما يزال ممكنا بنسبة كبيرة جدا إذا استمر الضغط الشعبي المدني في عواصم العالم، بما فيها واشنطن، وإذا استمر الموقف الأوروبي والعربي والإسلامي رافضا للحرب العدوانية. فليتواصل التعبير الشعبي والرسمي لرفض الظلم والطغيان، والمطالبة بالعدل والسلام قبل فوات الأوان.