تثير الراية التي تواطأت فعاليات أمازيغية على اعتمادها في أنشطتها تساؤلات عدة، لا من حيث رمزيتها ولا من حيث دلالتها السياسية. وقد كشف تصريح رشيد راخا، رئيس الكونجرس الأمازيغي، في ندوة صحفية بالرباط الخميس الماضي ، عن جانب غريب في هذا الموضوع حين أرجع سبب عدم وضع العلم المغربي إلى جانب العلم الأمازيغي إلى ما أسماه الاضطهاد الذي يعيشه الأمازيغ في المغرب. ويضعنا هذا التصريح أمام أمرين متداخلين، الأول يتعلق بإقصاء مقصود للعلم المغربي. والثاني يتعلق باستبدال العلم المغربي الوطني بالعلم الأمازيغي. وكل هذا في إطارا التعبير عن موقف سياسي يتعلق، كما في أدبيات كثير من الفاعلين الأمازيغ، بالاضطهاد والتهميش والإقصاء الذي مورس على الأمازيغية عبر التاريخ. فهل نحن أمام انتقام رمزي يقصي العلم المغربي لصالح العلم الأمازيغي تمثلا لواقع مؤمل؟ وهل العلم الأمازيغي بديل عن العلم المغربي ونقيض له، وهل يمكن اعتبار وجوده دليلا رمزيا على البعد الانفصالي في القضية؟ تحت عنوان علم تامزغا يرفرف في مدريد يحكي أحدهم، في موقع على الانترنت، ما أسماه حدث لا ينسى أبدا قائلا:هذا ما حصل البارحة في العاصمة مدريد في منطقة ليغانيس حيث قامت وفابنك بتنظيم سهرة فنية حضرها الفنان ...، أنا ورفاقي، كالعادة، دخلنا الحفل بثلاث أعلام تامزغا بدأ الحفل وعلم تامزغا يرفرف في تلك الساحة . جاءني أحدهم ... قال لي العلم الوحيد الذي عليك حمله هو العلم المغربي وحذرني إن قمت بالعكس لكن هيهات هيهات فقبل أن يكمل كلامه عدنا إلى رفع العلم من جديد في نفس الوقت ،استفزنا الفنان... حيث طالب الجماهير بأن يمدوه بكل الأعلام الموجودة الحمراء. طالبناه بأن يحمل العلم الأمازيغي لترتفع أصوات الأمازيغ ليضطر بعد أن قمنا برمي العلم الأمازيغي فوق المنصة إلى حمله عاليا عاليا... قمنا نحن رافعي العلم الأمازيغي وبدون عنصرية إلى تغيير المكان وتركنا رافعي العلم الأحمر قرب المنصة وبما أنهم شاهدوا أعلامنا ترفرف بطريقة حداثية خالية من العنصرية قاموا بالصعود إلى المنصة ليرقصوا ... قمنا بعد ذلك بدورة في تلك القاعة بأعلام أمازيغية لنفهم الحاضرين أن الأمازيغ قادرون على ضبط النفس ... قصة ملحمة الأعلام هذه، على خشبة السهرة الفنية وخارج أرض الوطن، تحمل أكثر من دلالة، فمقابل العلم الأحمر، الذي ربما يرمز في لاوعي المعنيين إلى العروبية والاضطهاد والإقصاء...،هناك علم تامزغا الذي يرمز، كما يدل عليه اسمه، إلى الحرية و الوطن المأمول. فماذا يعني أن يستفز رفع العلم المغربي نشطاء أمازيغيون؟ وكيف يحسون بالفخر فقط لأنهم رفعوا علم تامزغا؟ وكيف يعبرون عن الانتصار فقط لأن علم تامزغا رفع عاليا عاليا؟ هل يحمل غياب علم المغرب في تظاهرات وأنشطة معظم الفعاليات الأمازيغية نفس الدلالات التي توحي بها ملحمة الأعلام السابقة؟ في تصريح رشيد رخا إضافة قال فيها أن العلم الأمازيغي لا يمثل المغرب فحسب بل يمثل الأمازيغ عبر القارة الإفريقية ويقصد بلاد تامزغا الممتدة من غرب مصر القديمة إلى جزر الكناري، ومن حدود جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى في النيجر. وعلم تامزغا بهذا المعنى، والذي يعانقه أمازيغيون في كل دول تامزغا، يمثل الإطار المعنوي والرمزي الذي تذكى في بوثقته أحلام بعث أمة تامزغا. لكن هل يبرر هذا عدم الاعتراف العملي بالأوطان القائمة وإقصاء أعلامها كما جسده النشطاء الأمازيغ في ملحمة الأعلام السالفة الذكر على الأراضي الإسبانية؟ لقد قام صاحب ملحمة الأعلامباستدراك يحتاج إلى تأمل كبير. فقد قال في نهاية قصته التي لا تنسى أبدا ما نصه: وبالمناسبة نحن رفعنا كلا العلمين، المغربي لأننا مغاربة، والأمازيغي لأننا أبناء تامزغا، وحضر إخوتنا الشلوح وسواسة وأمازيغ الجزائر. وبالطبع لم يذكر حضور إخوتنا العرب. منطق قصة ملحمة الأعلام لا تتحمل هذا الاستدراك، ومن المرجح أنه، أي الاستدراك، يعبر عن تقية سياسية مفضوحة أو اضطراب وتمزق في الهوية. لكن كلام رشيد رخا ، كما قصة ملحمة الأعلام تعبران عن شيء واحد وهو الترجيح العملي للعلم الأمازيغي على العلم الوطني. وهو ترجيح له دلالاته السياسية الخطيرة وفي أحسن الحالات يعبر عن ضعف كبير في الوعي السياسي. الهدف من ذكر الواقعتين السابقتين هو أولا التنبيه إلى المنزلق الخطير الذي يقع فيه بعض الفاعلين ويتعلق برفع راية بديلة عن راية الوطن. راية ليست لها دلالات أعلام الفرق الرياضية مثلا ولا دلالة العلامات التجارية للمقاولات ولا دلالات رموز الأحزاب السياسية أو الجمعيات الثقافية ولا حتى دلالة رفع علم الاتحاد السوفياتي وصور تشيكيفارا من بعض الفعاليات اليسارية. علم تامزغا يرتبط بأرض أوسع من أرض المغرب وبشعب غير الشعب المغربي وإن كان متضمنا فيه انتقاء، ويرتبط بأطروحة سياسية تتجاوز برنامج حزب سياسي حتى في أكثر تعبيراته الثورية، أطروحة تعيد كتابة التاريخ وتسعى إلى إعادة صياغة الجغرافيا بل وتحاول صياغة الخريطة الجينية للمكون البشري لبلاد تامزغا. ورغم ذلك فالمشكلة لا تكمن في وجود علم تامزغا في حد ذاته، ولكن في إقصاء العلم المغربي قصدا وفي عدم رفع العلمين معا كحد أدنى مقبول.