بعد 60عاما من وقوعها سنة 1948 وبعد 14 قرنا من معجزة الإنذار القرآني للمسلمين بشأنها في قوله تعالى : وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ... الآيات الأربعة 4 - 5 - 6 - 7 من سورة الإسراء، ها نحن العرب، أمة الإسلام الأولى، نعيش تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل : 1) لقد تجسد هذا العلو الكبير في الأرض سنة 1948 باعتراف المخططين الرئيسيين له بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية في الدقيقة الخامسة من إعلان قيام إسرائيل، فضلا عن الاتحاد الأوربي والاتحاد السوفياتي ومجلس الأمن، لتتوالى بعد ذلك توقيع اتفاقات السلام العربية ابتداء من مصر إلى موريطانيا. ولعل التاريخ البشري لم يشهد مثيلا لطبيعة الصراع القائم بين الأمم والأديان والحضارات كحدث الإفساد الديني والأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني الذي قامت به ولا تزال تقوم به إسرائيل، ليس فقط في فلسطين والعالم العربي والإسلامي، بل في العالم الغربي أيضا. 2) عن هذه النكبة، وانعكاساتها القادمة على إسرائيل، يحدثنا الكاتب الفلسطيني الكبير عبد الباري عطوان : عندما تأتي أربعون شخصية عالمية على رأسها الرئيس الأمريكي جورج بوش لحضور احتفالات دولة بالذكرى الستين لقيامها، فهذا يعني أن هناك شيئا غير طبيعي، وأن خللا في هذه الدولة يحتم وجود مثل هذا الحشد الضخم لإصلاحه أو إخفائه. إسرائيل وبعد ستين عاما من قيامها على حساب شعب كامل جرى تشريده وقتل عشرات الآلاف من أبنائه، مازالت تشعر بالخوف والقلق وعدم الأمان، ووجود هذا الحشد الضخم من الشخصيات العالمية جاء من أجل طمأنة شعبها، وإظهار الدعم له. الإدارة الأمريكية الحالية خسرت حتى الآن حوالي أربعة آلاف قتيل وثلاثين ألف جريح وثمانمائة مليار دولار، مرشحة أن ترتفع إلى خمسة آلاف مليار في حربيها في العراق وأفغانستان بسبب إسرائيل وتحريض أنصارها من يهود المحافظين الجدد، ومن المتوقع أن تصبح الخسائر أكبر في حال شن حرب جديدة ضد إيران، استجابة للضغوط الإسرائيلية). 3) الصراع القائم في لبنان بين فريق الموالاة و فريق المعارضة ليس خاصا بلبنان، بل هو يمثل أصدق تمثيل، ولو بصور مختلفة، السياسة الأمريكية - الإسرائيلية في العالم العربي والإسلامي: خلق ودعم وتمويل أنظمة موالاة وأحزاب وطوائف فرق موالاة. وكرد فعل ديني - أخلاقي - إنساني - حضاري، تنشأ فرق معارضة. 4) يجهل العالم الغربي بقادته وشعوبه أن أقدم وأعدل قانون عرفته البشرية لحق كل شعوب العالم في العيش بسلام وأمن في علاقاتها الدولية، وتبرير الحرب فقط للدفاع ضد عدوان بعضها على بعض، هو القانون القرآني الموجه للأمة الإسلامية في قوله تعالى :لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتقسطوا إليهم. إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون سورة الممتحنة الآية .8 هذا القانون يعترف لكل شعوب العالم : أولا ـ بحقها الكامل في العيش بسلام وأمن في علاقات بعضها ببعض، بل وأكثر من ذلك، أن تتميز هذه العلاقات بالمودة والبرور والعدل والإحسان، بقطع النظر عن عقائدها وأجناسها وألوانها. ثانيا ـ بحقها الكامل في الدفاع عن نفسها في حالة اعتداء بعضها على بعض، هذا ما طبقته الدساتير الغربية المعاصرة بقانون التجنيد الإجباري على جميع المواطنين حتى في حالة السلم، وأوجبه الإسلام قبلها على جميع المسلمين بقانون الجهاد فقط في حالة العدوان أو توقعه، مع أن التجنيد الإجباري أصبح اليوم من ضرورات الدفاع. 5) فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين. جاء في (الفتوى التي وقعها واحد وستون عالما يمثلون كل أقطار العالم العربي والإسلامي، ونشرتها جريدة (الرائد) الهندية بتاريخ 16 مارس 1990 : إننا نعلن بما أخذ الله علينا من عهد وميثاق في بيان الحق أن الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقر اليهود على أرض فلسطين، أو تتنازل لهم عن أي جزء منها، أو تعترف لهم بأي حق فيها. وقبل هذه الفتوى وبعدها، تتابعت فتاوى علماء الأقطار الإسلامية بمن فيهم علماء فلسطين والمغرب قاطبة. 6) هزيمة إسرائيل في إفسادها الثاني المقبل حتمية قرآنية بنص قوله تعالى في آيات الإسراء السابقة : ... فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علو تتبيرا. هذا مع العلم أن العالم الإسلامي المعاصر يعيش في شبه جبهتين متداخلتين متناقضتين فكريا وثقافيا : 1 - جبهة تؤمن بانتصار الإسلام كحتمية قرآنية - تاريخية - حضارية. 2 - وجبهة تمثل الانهزام العربي كحتمية إسلامية - ابتلائية - عقابية. مع الإيمان بأن الانتصار والانهزام يخضعان معا للحكمة الإلهية في خلق الإنسان والكون والموت والحياة. وحرر بالرباط في 21 جمادى الأولى 1429 27 مايـو 2008