عندما كان أحمد الشقيري؛ أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ يتحدث عن الإلقاء ب(إسرائيل) في البحر كانت هذه الأخيرة تستغل مثل هذه التصريحات لاستدرار دعم الدول الغربية؛ وتبني بذلك ترسانتها التسليحية الضخمة واقتصادها القوي. وعندما دعي عبد الناصر العرب في مؤتمر القمة بالقاهرة سنة 1964 إلى قطع العلاقات مع ألمانياالغربية آنذاك بدعوى أنها تزود الكيان الصهيوني بالسلاح؛ رفض الملك الحسن الثاني أن يقطع هذه العلاقات وقال قولته المشهورة: صديق عدوي ليس بالضرورة عدوي. واقعية الحسن الثاني وبراغماتيته دفعته في وقت مبكر إلى فتح قنوات الاتصال مع العدو في سعي منه لحل مشكل معاناة الشعب الفلسطيني التي لا زالت مستمرة إلى اليوم. قد نتفق أو نختلف مع هذه المبادرات؛ ولكن سياسة الملك الحسن الثاني الخارجية المبنية على الانفتاح والتحاور حتى مع الأعداء مكنت المغرب من موقع متميز بين الدول. ولكنها جلبت بعض التأويلات المتسرعة من بعض الصحافيين العرب الذين كانوا يرون في كل حوار مع العدو خيانة.كما أن الكل يذكر ردود الفعل العنيفة من بعض القادة العرب وبعض المعلقين على زيارة شيمون بيريس لإيفران سنة 1986؛ التي اعتبرت في ذلك الوقت اعترافا ضمنيا بالكيان الصهيوني. لم يكن الحسن الثاني يخفي اتصالاته مع هؤلاء. ولكنه لم يكن يعلنها صراحة. في كتاب وزير خارجية الحسن الثاني ووزيره الأول عبد اللطيف الفلالي بعض تفاصيل ما جرى في تلك الزيارة التي اعتبرها الفلالي فاشلة كما أن الحسن الثاني سارع عندما حدس أن بيريز لا يريد تقديم شيء للفلسطينيين إلى تهييء طائرته للمغادرة وأوقف كل اتصالاته إلى أن كانت اتفاقات أوسلو التي أحيت بعض الأمل في الوصول إلى حل؛ ولكنه أقفل الملف بعد اغتيال رابين ووصول نتنياهو إلى السلطة. لأنه ربما فهم أن مسلسل أوسلو قد مات بموت رابين؛ وأن الحل النهائي أصبح أبعد مما كان عليه قبل أوسلو.في إحدى خطبه كشف الملك الحسن الثاني أنه قال مرة للقادة العرب في أحد مؤتمراتهم في ستينات القرن المنصرم؛ بأن عليهم أن يحسموا أمرهم مع (إسرائيل)؛ إما أن يقاتلوها ولو بالعصي والحجارة وإما أن يعترفوا بها ويوذوبوها وسط المائتي مليون نسمة. كان هذا ممكنا في ذلك الزمن الذي قال فيه الحسن الثاني ذلك الكلام. أما اليوم فهي التي تذوبهم وسط اقتصادها السرطاني المهول. قهل صحيح أن العرب؛ كما قال الفلالي في كتابه: لم يجنوا إلا الهزائم والخيبات؟ أو كما كان الحسن الثاني يعتبر حكامهم العسكريين عديمي الكفاءة والفعالية؟.