لا يختلف اثنان في أمر تحول شوارعنا بسبب الأقراص المضغوطة السديات إلى فضاء لقُطٌاع أسماع المواطنين، إذ تناسل الباعة المتجولون في كل جنبات الشوارع وزوايا الأزقة فأفرشوا سلعهم وأطلقوا العنان لمكبرات الأصوات فتعالت مختلف أنواع الموسيقى الرديئة منها والبذيئة. فليسمح لي القراء الأعزاء أن أسوق لهم عينة وسخة مما أصبح يسمى طربا شعبيا لضرورة التدليل فقط وليس الترويج :نسكر ونمشي نجيبها، سكرات في نص الليل والروج قليل، دور الكأس دور أجي نسكرو الليلة إلى شدونا في البراج الجادارميا لبسي الطابلية وقولي لهم فرملية، ماتخافش لا من بوليس ولا من جدارمية عمي راه كوميسير يفك القضية. إن أقل ما يمكن أن نصف به هذا الكلام أنه دعوة مفتوحة للمجون وتحريض صريح على الدعارة والمحسوبية. يضطر المرء رغما عنه لسماع هذا الوابل الصاخب من المصطلحات التي سميت ظلما موسيقى شعبية ونسبت إلى الشعب بهتانا. فتتعالى حناجر هذا الصنف الجديد من منشطي السهرات الماجنة بمواويل سخيفة نتاج تحرير قطاع على مصراعيه من المفترض أن يصبح غدا موروثا ثقافيا لأمة بأكملها ومرجعا من المراجع الدراسية لها. اجتهد عارضوا هذه السلع المسمومة التي لا يتعدى ثمنها درهمان لطوفان من الكلام الدوني لا غلاء على مسكين. فلم يقف تجار هذه السلع عند هذا الحد بل جهزوا أنفسهم بشاشات للعرض تتحرك فيها أكوام من الأرداف والصدور الفارغة من الحياء، بشكل سوقي يشعر بسببه أصحاب الذوق والتذوق الفني بالغثيان. أعلم أن من بين الناس من حرم على نفسه وعلى أسرته فسحة وسط المدينة والقيصاريات والمرور من هذه الأمكنة لوقايتهم من طاعون يقتحم الأسماع لا يميز بين الصبي والراشد لأنه يترك وقرا في الآذان و في النفوس. لا أدري ما الذي منع أجهزة الرقابة اليوم من منع هذه السخافات، وهي التي تعرف خائنة الأعين وما تخفي دور التسجيل، وهي التي منعت بالأمس أصواتا كان ذنبها الوحيد أنها تتغنى بالحرية والديمقراطية و تطالب بالعدالة الاجتماعية والحق في الشغل والتعليم والصحة. لن يقبل أي كان أن يختفي المسؤولون وراء ذريعة تنامي ظاهرة البطالة والباعة المتجولين وصعوبة إدماجهم لتبرير التنامي الموازي والشاذ لظاهرة الفن الماجن فن 2 دراهم، لأن دور التسجيل مصدر هذه المزابل ليست مجالا خارج القانون أو غير منظم أو صعب التتبع. وبالتالي فالمفروض إعمال النصوص القانونية لحماية المواطنين من الرداءة وفتح المجال أمام الفن الشعبي الجاد والمسؤول وتشجيعه ليدخل جميع البيوت وتستفيد منه جميع الأسر.