يكاد الاستنزاف في المغرب أن يطبع كل جوانب الحياة العامة بهذا البلد العزيز. فمن الناحية السياسية نجد أن المصداقية السياسية للمؤسسات تعرضت لاستنزاف خطير أظهرت المحطات الانتخابية المختلفة فداحته. ومن الناحية التدبيرية نجد أن جل الصناديق المالية قد تم استنزاف مواردها المالية مثل صناديق الضمان الاجتماعي التي دخلت في أزمة بنيوية تهدد باختناق اجتماعي خطير. كما عرفت الثروة المائية والسمكية عملية استنزاف ممنهجة أثارت نتائجها جدلا سياسيا وإعلاميا واسعا. لقد أصبحت جميع الموارد، البشرية والطبيعية والمالية، في المغرب تحت رحمة منطق لا يهمه إلا الربح المادي أو السياسي الخاص على حساب المصلحة العامة. وإذا كان ملف استنزاف الثروة المائية والسمكية، مثلا، قد سلط عليه الضوء لكونه يرتبط بمصالح مباشرة لفئات يتهدد الاستنزاف مصالحها ومستقبلها، فإن ثمة موارد طبيعية أخرى كثيرة وحيوية يتم استنزافها بصمت بعيدا عن الأضواء. لقد كشف تقرير أصدره المركز الإحصائي الأوروبي قبل أسابيع ونشرته التجديد في صفحتها الأولى في عددها ,1867 أن ما يقارب ثلث الثروة النباتية والحيوانية في المغرب مهدد بالانقراض. ورغم ما يمكن أن يكون لبعض العوامل الطبيعية، كالجفاف والتصحر، من دور في تناقص الثروات النباتية والحيوانية إلا أن الضغط الكبير الممارس على الأنظمة الإيكولوجية والناتج عن الأنشطة البشرية من رعي واستغلال للغابات وأصناف النباتات بطريقة غير عقلانية يبقى من أكبر العوامل. وحسب نفس التقرير فحوالي ألفي (2000) نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض. وللوقوف على بعض تفاصيل الكارثة الصامتة نذكر ببعض الأرقام الواردة في التقرير المذكور(للتجديد عدد 1867) لنجد أن على رأس الأنواع المهددة الثدييات إذ أن 35 صنفا معرض للزوال وهو ما يشكل 31 % من مجموعها، والطيور (98 صنفا) أي ما يشكل 31 % من المجموع الكلي لأصنافها، و30 صنفا من الزواحف (31 %)، النباتات، إذ يصل 1649 صنفا، أي ما يمثل 24 % من مجموع الأصناف النباتية، وأيضا و3 أصناف من البرمائيات (27 %)، و96 صنفا من الأسماك (8 %)، و272 صنفا من اللافقاريات (5,1 %)، وذلك حسب تصنيف الاتحاد العالمي للمحافظة على البيئة. إن المغرب الجميل بتنوعه الطبيعي الثري، مهدد بإرهاب صامت يمثله الاستنزاف الذي يدمره في صمت وخفاء. والخطير في منطق الاستنزاف، خلافا للسرقات مثلا، أنه يهدد مصدر الثروة المعنية ذاتها بالنضوب. ويكون الاستنزاف أخطر كلما تعرض للموارد البشرية والطبيعية. ذلك أن الموارد المالية يمكن معالجة اختلالاتها بسرعة نسبية بالبحث عن موارد خارجية كالاقتراض مثلا في حين أن الموارد البشرية أو الطبيعية يكون تدارك اختلالاتها البنيوية صعبا وعلى المدى البعيد ويكون مستحيلا إذا بلغ الاستنزاف بها درجة النضوب. وبعد التأمل في أوضاع الثروات الطبيعية للمغرب السياحي، التي يبادر المسؤولون، كعادتهم، إلى التشكيك فيها دون تقديم ما يعاكسها، وبعد استحضار اعتماد المغرب بشكل شبه كلي على الفلاحة وتعويله الأعمى على السياحة نتساءل: ماذا يعني المغرب سياحيا بدون ثروته الطبيعية؟