قدم التوضيح الأخير لعبد العالي مجذوب حول موقفه من تصريحات ندية ياسين وبعدها تعامل وسائل الإعلام معها درسا جديدا لمختلف المتتبعين للساحة الإسلامية الحركية، وهي أن الاختلاف القائم بين الهيئتين لا يمنع من تأسيس قواعد في لضبط هذا الخلاف، تقبل به أولا، وتحفظ الحق في انتقاذه ثانيا، وتضع له ضوابط أخلاقية ثالثا، وهي عناصر أساسية في فهم حركية العلاقات بين الفاعلين الإسلاميين. فقد أكدت هذه التطورات عددا من المعطيات الثابتة في الساحة الحركية الإسلامية، والتي تهم بالأساس تجاوز العلاقات بينهم مرحلة الصراع الحاد والذي شهدت الجامعة المغربية بعضا من فصوله في التسعينيات ليستقر في وضعية من التعايش القائم على نضج ووعي كل طرف بعمق خصوصيات كل طرف وخاصة بين كل من جماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح، ذلك على ثلاث مستويات مفصلية، سياسية وتربوية وتنظيمية، وارتبطت تحديدا بخيار المشاركة السياسية ومدى القبول بالعمل في ظل المؤسسات القائمة من الناحية السياسية، وبالخط التربوي في علاقته بالتصوف مما كان محط نقاش آخره جسدته رسالة النصيحة التي وجهها المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح إلى جماعة العدل والإحسان بخصوص موضوع رؤية ,2006 ثم ثالثا بالفلسفة التنظيمية التي تحكم كل من الجماعة والحركة من حيث نظام صنع القرار والبنية المؤسساتية، وهو ما أدى للوعي بان كلا من الطرفين يمثلان اجتهادين فكريين متباينين في منهج الإصلاح وسبله، وأن الأمر يتجاوز مجرد خلافات شخصية أو تاريخية، كما أن العناصر المشتركة المرتبطة بالأرضية الإسلامية أو الوطنية لم تكن قادرة على دفع المنهجين إلى التقارب وبما يكفي لإرساء قواعد في التنسيق الدائم، إلا أنها أسهمت في بناء نضج متبادل بتجاوز وضعية الصراع وإقامة حالة من التعايش والقبول بالاختلافات القائمة. ولعل هذا من عناصر الخصوصية المغربية بالمقارنة مع تجارب بلغت مستويات من الصراع إن لم نقل الاقتتال في بلدان مثل الجزائر وهو مكسب ينبغي تثمينه وتقويته، وهو ما يعطي قيمة للتصريحات الأخيرة لعبد العالي مجذوب العضو الفاعل في جماعة العدل والإحسان، والذي أصر من ناحية على صيانة قواعد دنيا لتدبير الاختلاف بين الجماعتين، بما يحول دون انتكاس العلاقة بينهما وانزلاقها نحو التوتر، وفي الوقت نفسه التأكيد على التمايز القائم بين منهجي كل من الجماعة والحركة، وهو ما يجعل من الحديث عن التنسيق بينهما حديثا نسبيا ومستبعدا خاصة وأن قيادات كلا الجماعتين لا تتردد في نفيه التنسيق الدائم، مع صراحة ملحوظة في مناقشة منهج كل طرف من قبل الآخر حول المختلف فيه. لهذا فإن المفارقة القائمة بين وجود تنسيق في قضايا الأمة يكون ضمن تنسيق أشمل تشارك فيه التيارات القومية واليسارية وبين غياب التنسيق في القضايا الوطنية مفارقة قديمة، لأن ما يرتبط بهذه القضايا له علاقة مباشرة بالخط السياسي لكل طرف، وبأولويات في المرحلة وقراءته للعلاقات السياسية القائمة. من هنا فإن الدرس الذي قدمته قضية التصريحات الأخيرة لكل من نادية ياسين وعبد العلي مجذوب ومحمد يتيم أنها عززت من مبدأ القبول بالاختلاف مع التأكيد على التمايزات، وهذا عنصر قوة للمغرب قبل أي شيء آخر.