يُقاس تقدم الأمم والدول وتخلفها بدرجة استقلال قضائها ونزاهته ومدى انضباطه بمعايير العدالة المجردة من كل هوى ،ولذلك مانعرفه فى العصر الحديث نوعين من القضاء ؛قضاء مستقلا بشكل كبيروهو موجود فى الديمقراطيات المستقرة حول العالم ،وقضاء آخر تسيطر عليه أو على قطاع منه السلطة الحاكمة وهو في الدول غير المستقرة ديمقراطياً. لكن الحقيقة أن القضاء التركى المتمثل فى المدعى العام والمحكمة الدستورية يوضع تحت نوع ثالث من القضاء ، فهو ليس قضاء مستقلاً ومتجرداً من الهوى سوى العدالة وليس قضاء يتبع السلطة الحاكمة وقد وضح هذا عدة مرات ،أخرها وأهمها ما يجرى منذ أيام حول طلب المدعى العام التركى (عبد الرحمن يالتشين كايا ) بحل حزب العدالة والتنمية الحاكم وحظر نشاط حوالى 17من قياداته لمدة خمس سنوات على رأسهم رئيس الحزب ورئيس الوزراء الطيب رجب أردوجان ورئيس الجمهورية عبد الله جول ، ثم قيام المحكمة الدستورية بقبول الطلب من حيث الشكل والبدء فى إجراءات النظر فى هذه الدعوى الغريبة و الشاذة ،وهذا الموقف المنحاز أيديولوجياً للعلمانية المتطرفة التى اسست دعواها بتحول حزب العدالة والتنمية إلى بؤرة للأنشطة المناهضة للعلمانية كان أهم أساس لها كما صرح هذا المدعى العام المتطرف هو قرار تعديل الدستور ليسمح للنساء والفتيات بحرية ارتداء الحجاب وخاصة فى الجامعات الحكومية والوظائف العامة،وقال فى تصريحه أنه لولا هذا القرار أى قرارالسماح بارتداء الحجاب ما قام هو برفع هذه الدعوى ، وهو موقف يؤكد عدائية هذا النموذج من العلمانية التى تعارض الحرية الشخصية للفتيات والسيدات بارتداء ما تشاء سواء كان حجابا أو غير حجاب ،وهو ميزان يتعارض كذلك مع أهم مبدأ قضائى وقانونى يتعلق بالعدالة وهو المساواة ،وكذلك هذا التصرف لا يمكن وضعه فى وضع الموالى للسلطة حيث أنه يتحداها بشكل غير مسبوق وهى أول حكومة تحظى بغالبية مريحة من الشعب التركي ندر أن يحدث فى التاريخ الحديث لها ،ولذلك كان تعليق رئيس الوزراء الطيب رجب أردوجان أن هذا التصرف يتعارض مع مصلحة5,61 مليون تركى (هم عدد الأصوات التى صوتت لحزب العدالة والتنمية فى الانتخابات الأخيرة ) وهو ما يوازى 74% من اصوات الشعب التركى ، والحقيقة أن ما قام به المدعى العام التركى واتباع المحكمة الدستورية ذات خطواته يدل على أن خفافيش الظلام من بقايا العلمانية المتطرفة التى حكمت تركيا عقودا طويلة وأدت بها إلى مايشبه الانهيار فى كل نواحى الحياة وخاصة الاقتصادية بفسادها وتطرفها تريد أن تعود مرة أخرى ، للانقضاض على السلطة السياسية بعد أن حررها الشعب التركى منهم باختياره لحزب العدالة والتنمية وتريد كذلك تحطيم انجازات العدالة التركية وأهمها الانجاز الاقتصادي بطهارته وعدالته وتحقيقه لمعدلات تنمية حقيقية عالية بدافع أيديولجى أعمى لا تجد فيه مصلحة تركيا أو شعبها.