رسميا يتمسك الرئيس الامريكي بوش وما بقي معه من طاقم المحافظين الجدد بالابقاء على القوات الامريكية في العراق حتى تتوفر ظروف ملائمة حسب تقديرات البيت الابيض تسمح للحكومة الموالية لواشنطن في بغداد بالسيطرة بمفردها على الأمن والاستقرار وتوفر ظروف تدفق مستمر وسلس للنفط العراقي نحو الاسواق الخارجية. إصرار بوش هذا يسير ضد كل التقارير حتى الصادرة من طرف عدد من فروع المخابرات الامريكية وهيئات البحث المستقلة التي تقدم النصح للادارة الامريكية، بأنه من الصعب كسب المعركة في العراق ما دام الشعب العراقي يرفض الاحتلال والادارة التي فرضت عليه بعد سقوط بغداد في 9 ابريل .2003 بوش الذي يناور منذ الصيف الماضي لاقناع مواطنيه ان هناك تحسنا في الاوضاع الامنية في العراق بعد ارساله تعزيزات تزيد على 33 الف جندي الى بلاد الرافدين ليرفع تعداد القوات الامريكية هناك الى حوالي 165 الف جندي، بدأ في الربع الاول من سنة 2008 يتراجع عن وعوده ببدء سحب القوات الأمريكية. وفي نفس الوقت شنت وسائل الاعلام الامريكية خاصة تلك الخاضعة للمركب الصناعي العسكري حملة تضليل لحث الامريكيين على مواصلة تأييد استمرار التدخل العسكري، على أساس انه الكفيل وحده بإبعاد التهديدات الارهابية عن الولاياتالمتحدة وتوفير استقرار في السوق النفطية اسعارا وانتاجا خاصة ان بإمكان العراق التفوق على السعودية في مجال كميات النفط المصدر والوصول به الى 10 ملايين برميل يوميا خلال سنتين. في الوقت الذي يسبح فيه طاقم المحافظين الجدد ضد التيار، تجري تحركات تشير الى ادراك العديد من مراكز صنع القرار ليس في أمريكا وحدها بل لدى أقرب حلفائها بأن العد العكسي لنهاية الاحتلال في العراق تقترب بسرعة. يوم الاثنين 24 مارس 2008 ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية ان حكومة لندن ستنقل اعتبارا من شهر ابريل الفي عراقي من بلدهم الى اراضيها بعد ان عملوا لحساب العسكريين البريطانيين في العراق. وافادت الصحيفة ان وزارتي الداخلية والدفاع البريطانيتين تبحثان مع جهاز اللجوء في مساعدة العراقيين على الاقامة في بريطانيا. ولم تعلق الوزارتان على الفور على هذه المعلومات. وافادت وثائق من الوزارتين ان العراقين يستقبلون في سلاو غرب لندن قبل نقلهم الى مناطق اقامتهم في شمال انكلترا او اسكتلندا. وقالت الغارديان ان وزارة الخارجية اكدت انه تمت الموافقة على 450 طلب اقامة ورفضت 450 اخرى، وما زالت تنظر في حوالي مائتي طلب اخرى. واكدت الصحيفة ان نقل العراقيين الى بريطانيا سيتم خلال 17 شهرا. قبل ذلك بيومين كشفت عدة مصادر في العاصمة الامريكية انه تم تسريع نقل العراقيين الذين عملوا مع قوات الاحتلال الى الولاياتالمتحدة لحمايتهم من الانتقام. وأفادت الارقام الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية ان 444 عراقيا وصلوا في فبراير مما يرفع عددهم الى 1876 منذ بدء السنة المالية الامريكية في الأول من اكتوبر .2007 وحددت الادارة الامريكية لنفسها هدفا هو استقبال 12 الف عراقي من الذين لجأوا الى الاردن وسوريا وتركيا ولبنان او الى دول الخليج العربي بعد ان تعاونوا بشكل أو بآخر مع قواتها أو الادارات الممتابعة التي وضعتها في بغداد بعد سقوط البوابة الشرقية للامة العربية. والى هؤلاء، تعهدت الولاياتالمتحدة باستقبال سنويا 500 عراقي عملوا مباشرة لحساب الحكومة الامريكية كمترجمين وعائلاتهم في اطار برنامج تأشيرات دخول خاصة، فضلا عن خمسة الاف عراقي عملوا مباشرة او غير مباشرة لحساب الولاياتالمتحدة ويواجهون تهديدات جدية في العراق. منظمة انترناشونال رسكيو كوميتي المدافعة عن حقوق اللاجئين لا ترى ان واشنطن تقوم بما يكفي ففي تقرير اصدرته اخيرا بعنوان اللاجئون العراقيون: رد الولاياتالمتحدة والعالم غير مناسب اطلاقا اشارت الى انه لن يكون في وسع العديد من اللاجئين العراقيين العودة بأمان الى بلادهم ايا كانت الظروف. وتابعت المنظمة انه من واجب الولاياتالمتحدة الاخلاقي تأمين الملجأ لهم ولعراقيين اخرين معرضين ولا سيما ارامل واطفال ولعشرات الاف الاشخاص الذين جازفوا بحياتهم للعمل لحساب الامريكيين في العراق. وتابع التقرير ان هدف الادارة القاضي باستقبال 12 الف لاجئ هذه السنة ضئيل للغاية بالمقارنة مع عدد اللاجئين الذين انقذتهم الولاياتالمتحدة من فيتنام والبلقان داعيا الى رفع هذا العدد الى ثلاثين الفا في السنة لعدة سنوات. وتم استقبال نحو 130 الف لاجئ فيتنامي في قواعد امريكية عند سقوط سايغون عام 1975 واعقبتهم دفعات اخرى من اللاجئين في السنوات التالية. الأمر اللافت للانتباه ان تسريع وتيرة ترحيل العراقيين تزامنت مع جهود واشنطن لتعزيز قواتها المسلحة بعدد من الناطقين باللغة العربية، وذلك مع تزايد مهمات جيوشها في المنطقة العربية. وفي نفس الوقت عادت الصحف البريطانية والفرنسية وغيرها الى الحديث عن تكثف عمليات شراء عقارات ومزارع في البلدين من طرف ساسة عراقيين يشاركون في العملية السياسية والادارة الجارية في بلاد الرافدين. وقد حذرت صحيفة الاندبندنت والغارديان من ان عمليات الشراء المكتشفة والتي تفوق قيمتها منذ بداية السنة 620 مليون يورو يمكن ان تتسبب في مشاكل قانونية لاحقا لأن المستحوذين على العقارات والممتلكات الجديدة قد يتابعون مستقبلا من طرف حكومة مستقلة في بلادهم بتهمة الفساد وسرقة أموال الدولة. وذكرت هذه الصحف بما كشفته صحيفة الصندي تايمز اللندنية قبل أشهر عن اعمال سرقة اموال مخصصة لوزارة الدفاع لا تقل عن 800 مليون دولار وانتقال بعضها الى أرصدة في بنوك بريطانية وسويسرية. المبلغ الذي اختفى هو جزء من شحنة تتألف من 8800 مليون دولار أمريكية من الاموال العراقية التي كانت محتجزة في أمريكا قبل سقوط بغداد وقد شحنت من نيويورك للعراق بعد سقوط بغداد. انه الرحيل والفرار الكبير من بلاد الرافدين مع قرب بزوغ فجر الحرية.