اتفاق ينصف حراس أمن مطرودين    "المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    خطيب العيد بتازة يوصي بالأرحام    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    تعزيزات أمنية مكثفة في بليونش تروم منع التسلل نحو سبتة المحتلة    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط    أسود تفترس حارسا في حديقة حيوانات بالجزائر    زلزال ميانمار: توقعات بارتفاع عدد الضحايا والخسائر تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    مارين لوبان تواجه السجن ومنع الترشح بعد إدانتها باختلاس أموال عامة    التسويف والتماطل يدفع مبرزي التربية الوطنية للإضراب والاحتجاج في أبريل المقبل    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في 28,8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفصل الرابع من سنة 2024    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    إيقاف خط جوي مع طنجة يُثير غضب ساكنة ورزازات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    منع مارين لوبن من الترشح 5 سنوات    ارتفاع الذهب لمستوى قياسي جديد    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    مصدرو المواشي الإسبان يشتكون من انخفاض الصادرات إلى المغرب    أجواء مهيبة في صلاة العيد بسلا    مرشد إيران يتوعد ترامب ب"رد حازم"    نتنياهو يعين رئيسا جديدا ل "الشاباك"    كان محكوما بالمؤبد.. العفو الملكي يشمل بلعيرج    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    القضاء الفرنسي يدين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن باختلاس أموال عامة    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد    منتخب الأشبال يقسو على أوغندا بخماسية في مستهل كأس إفريقيا    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    آسفي تبلغ ثمن نهائي كأس العرش    فريق إحجاين بطلاً للدوري الرمضاني لكرة القدم المنظم من طرف جمعية أفراس بجماعة تفرسيت    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    ترامب لا يمزح بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة.. وأسوأ السينايوهات تبقيه في السلطة حتى 2037    طواسينُ الخير    كأس إفريقيا U17 .. المغرب يقسو على أوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الاتحاد الإسلامي الوجدي يلاقي الرجاء    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوفي - الراعي للأخوة - الحافظ للعهد


ها نحن مازلنا نواصل نشر هذه السلسلة، التي بدأت تطول حلقاتها ـ وإن كنا لم نتوقع ذلك ـ بسبب الإقبال الكبير الذي لقيته عند كل متتبع لها، وبالخصوص عند الذين يعرفون ويقدرون كتابات والدنا ويحرصون على تتبع ما جد فيها. وحرصا منا على مواصلة السير، وعلى العهد الذي قطعناه على أنفسنا، فإننا سنواصل نشر هذه الحلقات، لأن هناك صفحات في كتابات والدنا لم يطلع عليها القراء بعد، وسنحاول تبيانها في وقتها، ولا نخفي عليك قارئنا العزيز ما نقاسيه في سبيل إخراج هذه الذخيرة منذ ما يقرب من ستة أشهر، حيث تفرغنا لهذا العمل كلية، ونحاول جاهدين أن نختار المواضيع التي نراها لائقة، وإن كنا نلاقي بعض العنت في ذلك، خصوصا وأننا وحيدون ولا معين لنا إلا رب العالمين، فاللهم يسر ولا تعسر. لقد حظيت المقالة التي نشرناها أخيرا عن موضوع الكتاب التاريخي الأول، الذي اشتغل به العلامة المختار السوسي رحمه الله، ألا وهو كتابه مراكش في عصرها الذهبي، هذه الحلقة التي عرفنا فيها بهذا المؤلف، الذي لم يكن أحد يعتقد أن مؤلفه قطع فيه كل الأشواط التي بينا عناوينها في الفهرس الذي وضعناه آنذاك، نقول إنها لقيت استحسانا، ووضعت حدا للأقاويل التي كانت تقول إن المؤلف جمع عدة مواد لكتابه هذا دون أن يقوم بتدوين ما دونه، وهذا كان هو هدفنا الذي أخذنا على عاتقنا منذ الحلقة الأولى من هذه السلسلة التي أردنا منها تبيان جوانب كتابات والدنا كلها وتوضيح ما التبس منها، وارتأينا في هذه الحلقة أن نعرف بالعلامة محمد المختار السوسي الوفي الراعي للأخوة والحافظ للعهد، فكل من عاشره ليدرك ذلك، بل حتى غير معاشريه يلاحظ عند قراءته لكل كتبه غالبا ما يشيد بأخلائه وأصحابه وشيوخه وتلامذته وغيرهم كثير، وما ذلك إلا من وفائه وإخلاصه و تفانيه في الحب، أو ليس هو من كتب وهو في منفاه بإلغ في كتابه الإلغيات: أشكر الله كثيرا على هذا القلب الذي بين جنبي، فإنه ألوف عشاق ليس بملال، مما يضرب به المثل في الوفاء بفضل الله، فإنه طوال هذه الغربة لا يزال في يقظتي ومنامي يصور لي كل إخواني واحدا واحدا، ثم لا يزيده تطاول العهد إلا رقة إحساس، ولطف شعور، وتوقد التذكر، ومتى حام حوله ما ربما يكفكف عنانه، فإنه لا يلبث أن يندلق إلى جوه، فيسيح هائما ملقيا وراء كل ما يكفكفه... وبمناسبة كل هذا سنبرز في حلقة اليوم وتبعا لعنوانها ما خطه يراعه عن حميميته لمراكش وأهلها، وسنحاول جهد المستطاع أن نأتي ببعض النماذج فقط ولاندعي بأننا سنحيط الموضوع من كل جانب، لأن ذلك وحده يحتاج إلى ذوي الاختصاص ليلموا بالموضوع من كل جوانبه، وسنورد هنا ما جاء في ترجمة سيدي عبد الجليل بن القزيز المودعة في مخطوط كتاب مشيخة الإلغيين من الحضريين وسنتبعها ببعض مادونه في كتاب الإلغيات وكتاب ذكريات وما ذلك كله إلا لتبيان كيف أعطى المثال الكامل للوفاء وللأخوة و للمحافظة على العهد. رضى الله عبد الوافي المختار السوسي المكلف بنشر تراث والد ه للاتصال: 070469751 العلامة محمد المختار السوسي الوفي - الراعي للأخوة - الحافظ للعهد سنبين في هذه الحلقة عن العلامة محمد المختار السوسي الإنسان الذي خلقه الله، وما يتميز به من الوفاء، كما كان قلبه كله صفاء ـ على حد تعبيره ـ المشيد لكل من أسدى إليه معروفا، الراعي لأخوة كل من عايشوه والحافظ على عهده معهم، ولإبراز هذا الجانب فإننا سنورد هنا بعض هذه الصفات التي تتجلى في بعض ما كتبه عن حميميته لمراكش وأهلها نثرا و شعرا في ثنايا كتبه ورسائله الخاصة. شهــادة وفـــاء لأهـــل مـــراكش هذا ما وجدناه في ترجمة سيدي عبد الجليل بن القزيز في مخطوط كتاب والدنا مشيخة الإلغيين من الحضريين وهي عبارة عن شهادة فخر واعتزاز لوفاء كاتبها لمراكش وأهلها: ... إني لأكتب اسمك الآن أيها الأخ وأنا في منعزلي(إلغ) وأنت في دارك ب(الحمراء )، فأحس بهزة عنيفة تتشنج بها عضلاتي، وبقشعريرة تسري في عروقي، كأنها الكهرباء إذا مس الإنسان سلكا من أسلاكها غلطا وهو لا يشعر... ... إن اسمك يا عبد الجليل ليصور لي شخصك الطاهر الذي أعرف من لطافته وصفائه ما يعرفه الصديان في الهجير من كاس صافية الزجاج، ممدودة له بماء زلال بارد، أعرفك حقا، أعرف منك ودادا خالصا، وفكرا ثاقبا، وإخاء متينا وعلما جما، وهمة طموحا، وأريحية تكسو كل تلك الخلال العالية ملاءة شفافة تخلب الأصحاب، وتسترق منهم الألباب. إنك يا عبد الجليل وإخوانك الذين حرمت اليوم وصالهم، كما حرموا وصالي، من كانوا جزءا من المختار لا يتجزأ منه، بل روحا لجسده، به تقوم وتقعد، وتفرح وتحزن، وتأمل وتيأس، وتحيا وتموت، فقد نشأت بينكم، وارتبطت بمودتكم، وأنا بعد مرح في حلة الشباب، وأقبل وأدبر بمعاونتكم ولا أهاب، فيا ليت ذلك الزمان الأول لم ينقض، ويا ليت عام 1342 هـ استقر به دور الفلك، فاستقر في مكانه، لتبقى لنا تلك العشايا التي نمضيها في باب(عرصة مولاي عبد السلام)، أو في (الباب الجديد)، أو في دارك أو في دار الاخ المسفيوي، أو في مسجد (الرحبة القديمة)، ونحن في غلوائنا سادرون، ولا حسدة حولنا بأصابعهم إلينا يشيرون، يا ليت ذلك العام طال لنا ما طال بنا العمر، فلا كان المجد الذي به نفترق، ولا كانت الأستاذية التي توديني وتوديكم إلى ما بين مشرق ومغرب. لقد ديت إلى المجد منذ ديت إلى التعرف بكم، فبكم ترقى فكري، وبمنافستكم أمكن لي أن أكون مختار اليوم، ولكن لا كان مختار اليوم الذي تلاعب به الأقدار، وتتقطع من يديه الأوطار، فقد كانت مصاحبتكم ومجارتكم أقصى مناه، فإن يحرمها اليوم فليحرم حتى الحياة، فلا خير في الحياة بعدكم. شحذتم غراري، وأعليتم من شأني، وفرقتم السهام لمن تمتد يده إلي، وأريتموني كيف يعز الجار بجيرانه، وكيف يكون الضيف رب المنزل عيانا، ورب المنزل بمنزلة الضيف، فكنتم أحق من يقولون على الحقيقة بلسان حالهم، ولسان الحال أصدق من لسان المقال: يا ضيفا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل دخلت إليكم عشية يوم في سنة 1338هـ من (الباب الجديد) وأنا على فرس هزيل، وورائي رفيق لي، فنزلت من (الكتبية ) إلى(الرميلة)، وأنا بدوي غر يبهرني كل شيء، ويأخذ بلبي كل ما أبصره، حتى الدكاكين المصطفة في الأسواق، وحتى أبواب المساجد المقوسة الكبيرة، وحتى المؤذنون في الصوامع، وقد صادفت أمامي آذان المغرب، وأنا أنزل أمام باب الزاوية في (درب الزاوية)، ويخلب لبي حتى اللبسة الجميلة والوجوه المستنيرة، والأفرشة المنضدة، والمجالس العلمية، والمحافل المكتظة، فأقول أهذا كله في الوجود، وأنا لا أعرف أنه في الوجود؟ فتمر عربة فيقال لي أنها تركب بأجرة، فأتمنى لو أركبها فأبقى أياما وأنا امشي على قدمي، وأتناول بضعة دراهم من جيبي، لعلي أركب العربة، وأرى كيف يكون الإنسان إذا استوى فيها، كما أشاهد الركاب يستوون فيها، ثم يمنعني الحياء من أن أمد يدي بالدراهم إلى السائق، وأنا لا أدري كيف أخاطبه، هل أمد له الدراهم أولا أو أساله عن قدر الأجرة أو ما أصنع؟ ثم لا أزال في ترددي حتى تمضي العربة فتتبعها الأخرى فتمضي كذلك، زيادة على أني لا أعرف غير لغة آبائي، فأتعجب كيف أعرف العربية الدارجة، وكيف يمكن لي أن أكون أحد هؤلاء الصغار المتلاعبين بين يدي الباب الجنوبي لمسجد (باب دكالة) وألسنتهم بهذه اللغة ماضية مضاء الضبة في محزوزها؟ بهذا الوجه دخلت مراكش تلك السنة، ثم بأي وجه خرجت منها صبيحة 28 ذي الحجة 1355 هـ، فكل فرق بين مختار مفتتح سنة 1338هـ، وبين مختار مختتم 1355هـ ، فمنك يا سيدي عبد الجليل ومن إخوانك الذين دفعوا بي بمحاككتهم ومنافستهم وإرشادهم ومجاذبتهم حبال المعالي إلى تطلب المثل العليا، فما رحلتي إلى فاس والرباط ، ثم ما قيامي بعد رجوعي ثماني سنوات حتى كان ما كان إلا بسببكم، أفأنا من ينكر لا أبالي أياديكم البيضاء، وأقابلها بالكفر وغمط النعمة، إني إذن لكنود. دخلت مراكش، وأنا لا أعرف فيها أحدا، ولا يعرفني فيها أحد، ولا سمع أحد بأن سوسيا في آخر العقد الثاني من عمره دخل المدينة، ولكني لما خرجت، خرجت وانا لا أعرف كل من في معرفته شرف ممن تشرف بهم (الحمراء) وتتوج بسببهم تاج المعارف، ويعرفني كذلك كل من يمت إلى العلم ويتخذه منتجعا لشرفه، وقد سمع بخروجي كل ذي أذن، حتى ذي الأذن الصماء، فلا تسأل عما أذرته (الحمراء)على ولد من اولادها، استحقته بالتربية وبالتهذيب، من دموع جارية من كبد حرى،حين ابتزته من أحضانها(إلغ) التي وأدته هو لا يزال حيا: خرجت فكم باك بأجفان شادن على وكم باك بأجفان ضيغم هذا كله لا أعرفه إلا لك، يا أخي عبد الجليل، وإخوانك الذين جمعنا وإياهم رباط العلم لا غير، وإن ابى المتقولون إلا أن يقولوا ما يعلم الله والناس أنهم فيه كاذبون، ولو كان ما يتقولونه حقا، لكان الواجب علينا ونحن أصحاب صراحة أن نعلن بما نسره، ولكن كل ذلك إفك وبهتان، وطعنة نجلاء في كبد العلم واهله. فسلاما عليك يا عبد الجليل من أعماق قلبي سلاما، يمتد مني إليك من هذه الساعة إلى أن يقضي الله باللقيا من جديد، وما ذلك على الله بعزيز. مــــا جــــــاء فــــي كتـــــــــــــاب (ذكريــــــــــــــات) ومما ذكره عن مراكش وأهلها إثر سياحة خيالية زار فيها ـ على حد تعبيره ـ كل الأحباب الذين كانوا ممن يمتون إليه بما يمت به أصحاب الإخلاص، وذلك في مقدمة كتابه ذكريات: ثم ننزل حيث الفؤاد مقيم، وحيث السكان والمساكن كلها محببة إلى الفؤاد (مراكش الحمراء)، فأزور كل حومة وأقف أمام دار كل واحد من الأحباء، وأعانق إخوتي الأساتذة، وأحنو على أبنائي البررة، وأصافح معارفي الذين أتبعوني يوم رحلت عنهم دمعات، فلا أدع أي صاحب أو من له معي أدنى معرفة، حتى أضع يدي في يده، وهل ينتظر مني القارئ أن أعد له كما كنت أعد قبل من أبناء فاس ومكناس والرباط، لا لا والله، فإن كل مراكشي إلي حبيب، وكل من له هناك وجود له في قلبي مكانة، حتى الجدران القائمة، حتى النخيل الباسقة، حتى الأعوان أصحاب الدبابيس ـ بعدي ـ فكلهم لي أوداء وفي قلبي للجميع ما فيه، فأصحاب الرحبة القديمة وسكان أزبزض، وجيران المنجرة والمارون بـالرميلة والذين يتجمعون في أزقة المواسين أو ينحشون في جامع الفنا، فكلهم لي ومني وانا لهم ومنهم، ولأمر ما كان الشاعر القسمنطيني يذكر في رحلته اليائية ما يذكر حتى وصل مراكش فقال: وفي مراكش يا ويح قلبي أتى الوادي فطم على القرِيّ فمراكش قديما وحديثا معجونة بالألفة، فإنها تألف وتؤلف، وأهلها أصحاب القلوب الطيبة والسرائر الصافية والمودة الخالصة، فإن كان غيري ممن لا ينصف يرى هناك غير ما ذكرت، فما مثلي ومثله إلا كمن جنى وردا من شجرة فأثنى على الشجرة، على حين أن غيره ملذوع بشوكتها من غير أن يكون له حظ من زهرها، فذكر كل ما رأى، ولا خير في ورد لا شوك له يصونه ، كما لا خير في شوك لا زهر معه ينسي طيبه لدغاته. لو كنت أحمل شيئا في صدري لأحد أهلها لحملته على من عتلوني بتلك السيارة صبيحة 28 من ذي الحجة 1355 هـ، ولكنني عرفت من أين أوتيت فمسحت كل من تضمه الحمراء من كل لوم وكل تبعة. *********** وختم كتابه ذكريات بتحية لكل أودائه ومعارفه بالتسليم على مراكش وأهلها حيث يقول: تحية معسولة إلى جميعهم اجمعين، أكتعين أبصعين، سواء أجريت اسمه في هذا الجزء أم لا، ثم أعود فأكرر التحية لـالرميلة وأبناء الرميلة وتلاميذ الرميلة، وأصحاب دكاكين الرميلة، والمصلين والإمام والمؤذن في الرميلة. كما أسلم من بعيد، بل من قريب ـ لأنهم مشخصون الآن في قلبي ـ على كل أصحاب حومة باب دكالة، وعلى كل سكان المواسين، غير ناس القضاة وأبناء القضاة، والأساتذة وكل من يمت إلى المواسين، وعلى كل تجار القيصاريات والحدادين، وعلى الرحبة القديمة التي فيها اناس على أعزة لا يبلى ودهم، ولا يقدم إخاؤهم، وعلى سكان أزبزط وعلى الجامع اليوسفي، وعلى كل أساتذته المنظمين وغير المنظمين، بل يعود سلامي أيضا حتى على ملاح الحمراء، وعلى كل من إلى الحمراء، حتى الحمام المطوق والنسيم العليل والماء الزلال، فإنني يا بني الحمراء ـ لا أستثني منكم أحدا ـ لأناديكم جميعا وأنا في خلوتي هذه، ولا أخص منكم أحدا، فكلكم مني وإلي: ثكلت فؤادي يوم ينسى هواهم وإن زادني الدهر الخؤون التنائيا تزول الرواسي الشامخات وفي الحشا هوى لصحابي ليس ينفك راسيا ما جاء في كتاب الإلغيات وهذه نماذج ننقلها من كتابه الإلغيات، نستشف منها هذه الحميمية لمراكش وأهلها، وسنبدأ بما كتبه عن جولة خيالية في الحواضر عند قدومه إلى مراكش وهو إذ ذاك بمنفاه بـإلغ، ثم نأتي بعدها بشذرات من بعض ما خطه في هذا الموضوع: ...ثم أمر إلى الحمراء حيث الفؤاد لا يزال ثاويا، حيث مناهل الصفا عذبة الموارد، يردها هناك كل وارد، حيث الإخوان عبد القادر المسفيوي وعبد الجليل بن القزيز، وأحمد بن الفضيل، ومحمد بن عبد الرزاق وسيدي بريك وسيدي محمد بن عثمان، فأزور هذا وذاك، وأتملى من هنا وهناك، وألتزم كل واحد بطول الاشتياق، وأمر بـالسمارين فأحيي الأخ أحمد المنجرة تحية عطرة.... ثم نلتفت إلى الأخ العربي بنيس، فيجري إلينا توا، ثم بعد ذلك ألقى المفكرين عبد الله إبراهيم وعبد القادر بن حسن ومحمد الملاخ، ثم أظهر أخيرا في الرميلة... فإذا أنا أرى الأستاذ عبد الرحمن بن فارس والمفكر علي ابن المعلم ومحمد ابن القائد ومحمدا الدليمي ومحمدا الدكالي ومحمدا الدفالي وأحمد الزيتوني... ثم أستحضر الأخ المؤرخ محمد الكانوني الذي فرق الدهر بيني وبينه، أولا بالغربة، ثم بالموت بعدها... كذلك أهوى أن أستمع قبل أن أغادر هذه الحياة برؤية إخوتي في الحواضر، فأنا ما كنت إلا بهم، فلولاهم لم أكن عند نفسي ولا عند غيري شيئا مذكورا... üüüüüüüüüüü ...ها أنذا غدا في الحمراء... فإن للحمراء في السويداء مكانة لا تصلها البيضاء ولا الصفراء، لأنها كانت أمس ملتقى الأحباب، ومثابة الأفكار، ومدرج أبناء القلب... ... في كل يوم أكون لديكم فأرى إخواني ويرونني، وأشاهد من زملائي ما أتصوره في اليقظة، ولم أنس أي واحد من كل من عرفته، سواء من الطلبة ومن غيرهم، وهذه الليلة التي مرت بي، والتي أصبحت عن اليوم، رأيت كأني ناقشت فيها الأستاذ سيدي عبد القادر، وسيدي عبد الجليل، وسيدي محمد الكانوني وآخرين، وليت شعري أيكونون في المنام كما أنا، أم اكتفوا بجهودهم في اليقظة... وإني لمشتاق إلى مولاي عبد الله وشاعر الحمراء الجديد عبد القادر، والملاخ وجميع إخواني، والروداني وابن فارس وكل واحد واحد، ولا أحتاج إلى أن أتتبع أسماءهم وأما شوقي المغربي، فحدث عن البحر ولا حرج... üüüüüüüüüüü ...تطلع الشمس وتغيب وتتعاقب الأنهر والليالي، وتمر شهور فشهور، وما أضمه لك ولكل الإخوان الذين تضمهم معك البهجة، لا يزداد إلا شدة أوار، وتزايدا يتموج كما يتموج حباب الماء، يوم تختلف الأعاصير بالدأماء، وقد اكفهر الجو وأزبد العباب، وتلاطمت الأمواج بالبحار. إيه ستة عشر شهرا مضت وهي مظنة تراجع الفؤاد، ممن كان وده عرضا لم ينبعث عن شعور حار، ولا تبجست به الأعماق، ولكن فؤادي أبى عليه إخلاصه الذي جبل عليه إلا أن يستديم تلك الشعلة التي اندلعت منه بغتة يوم أقلتني السيارة ضحى يوم 28 ذي الحجة 1355 هـ، ثم ما زادته تقلبات الأحوال من رجاء إلى يأس، ومن يأس إلى رجاء، إلا لهفا لا يدري صداه انقشاعا ، ولا يجد إليه التناسي من سبيل. ...منذ ليال لا أنام إلا معكم، فنهاري هنا، ولكن لا أكاد أغمض عيني حتى أنتفل إلى مصافحتكم، فأرى فلانا وفلانا، فهذه حالتي، فلينظر كل واحد منكم حالته في مثل ذلك الحين ليعلم أيجاري إخلاصي وتعلقي ووفائي، أم أنني على كل حال من السابقين... ولكن لي قلبا حيا طفارا، لا يعرف التسلي بغيركم، ولا يرى في التفكير في سواكم حلاوة يستمد منها طلاوة الحياة... ...إن قلبي ليتفطر على أبنائي هناك أكثر مما يتفطر على ما جرى لي، لأنني ـ ولا أكذب الله ولا أكفر نعمه ـ في بلهنية عيش وظل ظليل من الهدوء، فلئن حرمت مواصلة إخواني ـ وهي كل مصدر الأماني ـ فإنني صابر محتسب، (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)... زفرات حنينية في مراكش وأهلها وكما بث هذا الشوق والحنين والاعتراف بما أسدته له مراكش وذووها نثرا، فإنه سجل ذلك شعرا، ونجد في الكثير من قصائده ذكر لهذا التلاحم المراكشي، ونورد هنا بعض ما جاء في إحدى زفراته وهو في منفاه بـإلغ يوم عيد الأضحى لسنة 1959 هـ قال: عيد ولكن أين ما أعتاد عندي إذا ما حلت الأعياد؟ أين الرميلة أين بهجتها؟ وأيــ ن بنو الرميلة من هم الأكباد ؟ ويقول: إيه بنو الحمراء يا من ودهم لحياتي الأطناب والأوتاد بكم قنعت مسارح الآمال ما عندي وراء ودادكم مرتاد أردتموني نطفة يا طالما سيمت فخابت دونها الوراد من مثلكم من مثلكم أهل الوفا إن عدت الأمثال والأنداد أنا ـ وتب العادلون ـ أرى لكم شبها؟ وكيف وكلكم أمجاد؟ وفي زفرة أخرى أرسلها من منفاه بإلغ عندما جلس إليه بعضهم يسليه ـ على حد تعبيره ـ الذي قال له أن يحمد الله حين لم يكن من بين المسجونين في رودانة أو ممن أصيبوا بالوباء، فزفر هذه الزفرة في قصيدة جاء في أولها: يقولون شكرا .. ولكن يقولون شكرا إذ نفيت من الحمرا ولم تك ممن ذاق في مطبق ضــــرا وشكرا عظيما بعد ذلك ثانيا إذ الرزء بالطاعون لم يصلك الجمرا فكل بني الحمرا ما بين هارب ولما يصب، او من يزجونه قــــــبرا فلو كنت في اليوم ما انت فاعل؟ بربك قل ماذا؟ ألا تشتهي صحرا؟ ألا تتمنى أن تجاور هكذا أقارب لم يـــــألوك جهدهم بـــــــــــرا 17 ـ 1 ـ 1357 هـ

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.