مدارس الريادة نموذج تعليمي مبتكر لبناء جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية إستونيا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي يدعو إلى تطوير الشراكة مع المغرب لتشمل القارة الإفريقية    بعد تفكيك خلايا إرهابية.. الاستخبارات المغربية تلاحق آثار مصادر الأسلحة    المغرب يبرز بجنيف أوراشه الإصلاحية والتزاماته بتعزيز حقوق الإنسان    الكاتب الأول إدريس لشكر يهنئ الميلودي موخاريق بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما للاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    أوروبا تعلق عقوبات على سوريا    تلاميذ طنجة أصيلة يتألقون في البطولة العربية لألعاب الرياضيات والمنطق ويحصدون ميداليتين ذهبيتين    أسرار بروباغندا داعش.. أمير خلية نشر تدوينات يشكك في تفكيك الخلايا الإرهابية    توقيف مبحوث عنهما متورطين في تهريب سجين بفرنسا    الشرقاوي: قيادي ب"داعش" أرسل الأسلحة إلى "أسود الخلافة بالمغرب الأقصى"    حريق يداهم الحي الجامعي بوجدة    دراسة.. ارتفاع معدلات الإصابة بجرثومة المعدة لدى الأطفال بجهة الشرق    غزة ليست عقارا للبيع!    "زمن الخوف".. الكتابة تحت ضغط واجب الذاكرة    الجبل ومأثور المغرب الشعبي ..    ميناء طنجة المتوسط يستقبل سربًا من مروحيات الأباتشي    ترحيل حلاق من إسبانيا إلى المغرب بعد اتهامه بتجنيد مقاتلين لداعش    عصام الشرعي مرشح بارز لتدريب رينجرز الاسكتلندي بعد إقالة كليمنت    بوبكر سبيك: التشكيك في العمليات الأمنية يُعدّ جزءا من العقيدة الإرهابية    تسجيل هزة أرضية خفيفة بالعرائش    طقس بارد نسبياً وأمطار متفرقة متوقعة غداً الثلاثاء    تداولات "البورصة" تنطلق بالارتفاع    لافروف: روسيا ستوقف القتال في أوكرانيا عندما تحصل على ما تريد من المفاوضات    الدار البيضاء.. الأوركسترا السيمفونية الملكية تحتفي بالفنان الأمريكي فرانك سيناترا    سفير اسبانيا .. مدينة الصويرة تلعب دورا محوريا في تعزيز الروابط الثقافية بين المغرب واسبانيا    دنيا بطمة تعود إلى نشاطها الفني بعد عام من الغياب    أنشيلوتي: "مودريتش بمثابة هدية لعالم كرة القدم"    نقابة الصحفيين التونسيين تدعو لإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين مع التلويح بإضراب عام في القطاع    مع اقتراب رمضان.. توقعات بشأن تراجع أسعار السمك    مراكش: توقيف زوجين يروجان مواد صيدلانية مهربة من شأنها الإضرار بالصحة العامة للمواطنين    رصاصة شرطي توقف ستيني بن سليمان    دراسة تكشف عن ارتفاع إصابة الأطفال بجرثومة المعدة في جهة الشرق بالمغرب    المهاجم المغربي مروان سنادي يسجل هدفه الأول مع أتليتيك بلباو    فنلندا تغلق مكتب انفصاليي البوليساريو وتمنع أنشطتهم دون ترخيص مسبق    الذهب يحوم قرب أعلى مستوياته على الإطلاق وسط تراجع الدولار وترقب بيانات أمريكية    السد القطري يعلن عن إصابة مدافعه المغربي غانم سايس    ألوان وروائح المغرب تزين "معرض باريس".. حضور لافت وتراث أصيل    وزيرة الفلاحة الفرنسية: اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي    انفجار يطال قنصلية روسيا بمارسيليا    "كابتن أميركا" يواصل تصدّر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    المعرض الدولي للفلاحة بباريس 2025.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما في مجال الفلاحة الرقمية    إصابة نايف أكرد تقلق ريال سوسييداد    السعودية تطلق أول مدينة صناعية مخصصة لتصنيع وصيانة الطائرات في جدة    غوتيريش: وقف إطلاق النار في غزة "هش" وعلينا تجنب تجدد الأعمال القتالية بأي ثمن    الصين: "بي إم دبليو" تبدأ الإنتاج الضخم لبطاريات الجيل السادس للمركبات الكهربائية في 2026    الوزير يدعم المغرب في الحفاظ على مكسب رئاسة الكونفدرالية الإفريقية للمصارعة وانطلاقة مشروع دراسة ورياضة وفق أفق ومنظور مستقبلي جديدة    مناقشة أول أطروحة تتناول موضوع عقلنة التعددية الحزبية في المغرب بجامعة شعيب الدكالي    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوفي - الراعي للأخوة - الحافظ للعهد


ها نحن مازلنا نواصل نشر هذه السلسلة، التي بدأت تطول حلقاتها ـ وإن كنا لم نتوقع ذلك ـ بسبب الإقبال الكبير الذي لقيته عند كل متتبع لها، وبالخصوص عند الذين يعرفون ويقدرون كتابات والدنا ويحرصون على تتبع ما جد فيها. وحرصا منا على مواصلة السير، وعلى العهد الذي قطعناه على أنفسنا، فإننا سنواصل نشر هذه الحلقات، لأن هناك صفحات في كتابات والدنا لم يطلع عليها القراء بعد، وسنحاول تبيانها في وقتها، ولا نخفي عليك قارئنا العزيز ما نقاسيه في سبيل إخراج هذه الذخيرة منذ ما يقرب من ستة أشهر، حيث تفرغنا لهذا العمل كلية، ونحاول جاهدين أن نختار المواضيع التي نراها لائقة، وإن كنا نلاقي بعض العنت في ذلك، خصوصا وأننا وحيدون ولا معين لنا إلا رب العالمين، فاللهم يسر ولا تعسر. لقد حظيت المقالة التي نشرناها أخيرا عن موضوع الكتاب التاريخي الأول، الذي اشتغل به العلامة المختار السوسي رحمه الله، ألا وهو كتابه مراكش في عصرها الذهبي، هذه الحلقة التي عرفنا فيها بهذا المؤلف، الذي لم يكن أحد يعتقد أن مؤلفه قطع فيه كل الأشواط التي بينا عناوينها في الفهرس الذي وضعناه آنذاك، نقول إنها لقيت استحسانا، ووضعت حدا للأقاويل التي كانت تقول إن المؤلف جمع عدة مواد لكتابه هذا دون أن يقوم بتدوين ما دونه، وهذا كان هو هدفنا الذي أخذنا على عاتقنا منذ الحلقة الأولى من هذه السلسلة التي أردنا منها تبيان جوانب كتابات والدنا كلها وتوضيح ما التبس منها، وارتأينا في هذه الحلقة أن نعرف بالعلامة محمد المختار السوسي الوفي الراعي للأخوة والحافظ للعهد، فكل من عاشره ليدرك ذلك، بل حتى غير معاشريه يلاحظ عند قراءته لكل كتبه غالبا ما يشيد بأخلائه وأصحابه وشيوخه وتلامذته وغيرهم كثير، وما ذلك إلا من وفائه وإخلاصه و تفانيه في الحب، أو ليس هو من كتب وهو في منفاه بإلغ في كتابه الإلغيات: أشكر الله كثيرا على هذا القلب الذي بين جنبي، فإنه ألوف عشاق ليس بملال، مما يضرب به المثل في الوفاء بفضل الله، فإنه طوال هذه الغربة لا يزال في يقظتي ومنامي يصور لي كل إخواني واحدا واحدا، ثم لا يزيده تطاول العهد إلا رقة إحساس، ولطف شعور، وتوقد التذكر، ومتى حام حوله ما ربما يكفكف عنانه، فإنه لا يلبث أن يندلق إلى جوه، فيسيح هائما ملقيا وراء كل ما يكفكفه... وبمناسبة كل هذا سنبرز في حلقة اليوم وتبعا لعنوانها ما خطه يراعه عن حميميته لمراكش وأهلها، وسنحاول جهد المستطاع أن نأتي ببعض النماذج فقط ولاندعي بأننا سنحيط الموضوع من كل جانب، لأن ذلك وحده يحتاج إلى ذوي الاختصاص ليلموا بالموضوع من كل جوانبه، وسنورد هنا ما جاء في ترجمة سيدي عبد الجليل بن القزيز المودعة في مخطوط كتاب مشيخة الإلغيين من الحضريين وسنتبعها ببعض مادونه في كتاب الإلغيات وكتاب ذكريات وما ذلك كله إلا لتبيان كيف أعطى المثال الكامل للوفاء وللأخوة و للمحافظة على العهد. رضى الله عبد الوافي المختار السوسي المكلف بنشر تراث والد ه للاتصال: 070469751 العلامة محمد المختار السوسي الوفي - الراعي للأخوة - الحافظ للعهد سنبين في هذه الحلقة عن العلامة محمد المختار السوسي الإنسان الذي خلقه الله، وما يتميز به من الوفاء، كما كان قلبه كله صفاء ـ على حد تعبيره ـ المشيد لكل من أسدى إليه معروفا، الراعي لأخوة كل من عايشوه والحافظ على عهده معهم، ولإبراز هذا الجانب فإننا سنورد هنا بعض هذه الصفات التي تتجلى في بعض ما كتبه عن حميميته لمراكش وأهلها نثرا و شعرا في ثنايا كتبه ورسائله الخاصة. شهــادة وفـــاء لأهـــل مـــراكش هذا ما وجدناه في ترجمة سيدي عبد الجليل بن القزيز في مخطوط كتاب والدنا مشيخة الإلغيين من الحضريين وهي عبارة عن شهادة فخر واعتزاز لوفاء كاتبها لمراكش وأهلها: ... إني لأكتب اسمك الآن أيها الأخ وأنا في منعزلي(إلغ) وأنت في دارك ب(الحمراء )، فأحس بهزة عنيفة تتشنج بها عضلاتي، وبقشعريرة تسري في عروقي، كأنها الكهرباء إذا مس الإنسان سلكا من أسلاكها غلطا وهو لا يشعر... ... إن اسمك يا عبد الجليل ليصور لي شخصك الطاهر الذي أعرف من لطافته وصفائه ما يعرفه الصديان في الهجير من كاس صافية الزجاج، ممدودة له بماء زلال بارد، أعرفك حقا، أعرف منك ودادا خالصا، وفكرا ثاقبا، وإخاء متينا وعلما جما، وهمة طموحا، وأريحية تكسو كل تلك الخلال العالية ملاءة شفافة تخلب الأصحاب، وتسترق منهم الألباب. إنك يا عبد الجليل وإخوانك الذين حرمت اليوم وصالهم، كما حرموا وصالي، من كانوا جزءا من المختار لا يتجزأ منه، بل روحا لجسده، به تقوم وتقعد، وتفرح وتحزن، وتأمل وتيأس، وتحيا وتموت، فقد نشأت بينكم، وارتبطت بمودتكم، وأنا بعد مرح في حلة الشباب، وأقبل وأدبر بمعاونتكم ولا أهاب، فيا ليت ذلك الزمان الأول لم ينقض، ويا ليت عام 1342 هـ استقر به دور الفلك، فاستقر في مكانه، لتبقى لنا تلك العشايا التي نمضيها في باب(عرصة مولاي عبد السلام)، أو في (الباب الجديد)، أو في دارك أو في دار الاخ المسفيوي، أو في مسجد (الرحبة القديمة)، ونحن في غلوائنا سادرون، ولا حسدة حولنا بأصابعهم إلينا يشيرون، يا ليت ذلك العام طال لنا ما طال بنا العمر، فلا كان المجد الذي به نفترق، ولا كانت الأستاذية التي توديني وتوديكم إلى ما بين مشرق ومغرب. لقد ديت إلى المجد منذ ديت إلى التعرف بكم، فبكم ترقى فكري، وبمنافستكم أمكن لي أن أكون مختار اليوم، ولكن لا كان مختار اليوم الذي تلاعب به الأقدار، وتتقطع من يديه الأوطار، فقد كانت مصاحبتكم ومجارتكم أقصى مناه، فإن يحرمها اليوم فليحرم حتى الحياة، فلا خير في الحياة بعدكم. شحذتم غراري، وأعليتم من شأني، وفرقتم السهام لمن تمتد يده إلي، وأريتموني كيف يعز الجار بجيرانه، وكيف يكون الضيف رب المنزل عيانا، ورب المنزل بمنزلة الضيف، فكنتم أحق من يقولون على الحقيقة بلسان حالهم، ولسان الحال أصدق من لسان المقال: يا ضيفا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل دخلت إليكم عشية يوم في سنة 1338هـ من (الباب الجديد) وأنا على فرس هزيل، وورائي رفيق لي، فنزلت من (الكتبية ) إلى(الرميلة)، وأنا بدوي غر يبهرني كل شيء، ويأخذ بلبي كل ما أبصره، حتى الدكاكين المصطفة في الأسواق، وحتى أبواب المساجد المقوسة الكبيرة، وحتى المؤذنون في الصوامع، وقد صادفت أمامي آذان المغرب، وأنا أنزل أمام باب الزاوية في (درب الزاوية)، ويخلب لبي حتى اللبسة الجميلة والوجوه المستنيرة، والأفرشة المنضدة، والمجالس العلمية، والمحافل المكتظة، فأقول أهذا كله في الوجود، وأنا لا أعرف أنه في الوجود؟ فتمر عربة فيقال لي أنها تركب بأجرة، فأتمنى لو أركبها فأبقى أياما وأنا امشي على قدمي، وأتناول بضعة دراهم من جيبي، لعلي أركب العربة، وأرى كيف يكون الإنسان إذا استوى فيها، كما أشاهد الركاب يستوون فيها، ثم يمنعني الحياء من أن أمد يدي بالدراهم إلى السائق، وأنا لا أدري كيف أخاطبه، هل أمد له الدراهم أولا أو أساله عن قدر الأجرة أو ما أصنع؟ ثم لا أزال في ترددي حتى تمضي العربة فتتبعها الأخرى فتمضي كذلك، زيادة على أني لا أعرف غير لغة آبائي، فأتعجب كيف أعرف العربية الدارجة، وكيف يمكن لي أن أكون أحد هؤلاء الصغار المتلاعبين بين يدي الباب الجنوبي لمسجد (باب دكالة) وألسنتهم بهذه اللغة ماضية مضاء الضبة في محزوزها؟ بهذا الوجه دخلت مراكش تلك السنة، ثم بأي وجه خرجت منها صبيحة 28 ذي الحجة 1355 هـ، فكل فرق بين مختار مفتتح سنة 1338هـ، وبين مختار مختتم 1355هـ ، فمنك يا سيدي عبد الجليل ومن إخوانك الذين دفعوا بي بمحاككتهم ومنافستهم وإرشادهم ومجاذبتهم حبال المعالي إلى تطلب المثل العليا، فما رحلتي إلى فاس والرباط ، ثم ما قيامي بعد رجوعي ثماني سنوات حتى كان ما كان إلا بسببكم، أفأنا من ينكر لا أبالي أياديكم البيضاء، وأقابلها بالكفر وغمط النعمة، إني إذن لكنود. دخلت مراكش، وأنا لا أعرف فيها أحدا، ولا يعرفني فيها أحد، ولا سمع أحد بأن سوسيا في آخر العقد الثاني من عمره دخل المدينة، ولكني لما خرجت، خرجت وانا لا أعرف كل من في معرفته شرف ممن تشرف بهم (الحمراء) وتتوج بسببهم تاج المعارف، ويعرفني كذلك كل من يمت إلى العلم ويتخذه منتجعا لشرفه، وقد سمع بخروجي كل ذي أذن، حتى ذي الأذن الصماء، فلا تسأل عما أذرته (الحمراء)على ولد من اولادها، استحقته بالتربية وبالتهذيب، من دموع جارية من كبد حرى،حين ابتزته من أحضانها(إلغ) التي وأدته هو لا يزال حيا: خرجت فكم باك بأجفان شادن على وكم باك بأجفان ضيغم هذا كله لا أعرفه إلا لك، يا أخي عبد الجليل، وإخوانك الذين جمعنا وإياهم رباط العلم لا غير، وإن ابى المتقولون إلا أن يقولوا ما يعلم الله والناس أنهم فيه كاذبون، ولو كان ما يتقولونه حقا، لكان الواجب علينا ونحن أصحاب صراحة أن نعلن بما نسره، ولكن كل ذلك إفك وبهتان، وطعنة نجلاء في كبد العلم واهله. فسلاما عليك يا عبد الجليل من أعماق قلبي سلاما، يمتد مني إليك من هذه الساعة إلى أن يقضي الله باللقيا من جديد، وما ذلك على الله بعزيز. مــــا جــــــاء فــــي كتـــــــــــــاب (ذكريــــــــــــــات) ومما ذكره عن مراكش وأهلها إثر سياحة خيالية زار فيها ـ على حد تعبيره ـ كل الأحباب الذين كانوا ممن يمتون إليه بما يمت به أصحاب الإخلاص، وذلك في مقدمة كتابه ذكريات: ثم ننزل حيث الفؤاد مقيم، وحيث السكان والمساكن كلها محببة إلى الفؤاد (مراكش الحمراء)، فأزور كل حومة وأقف أمام دار كل واحد من الأحباء، وأعانق إخوتي الأساتذة، وأحنو على أبنائي البررة، وأصافح معارفي الذين أتبعوني يوم رحلت عنهم دمعات، فلا أدع أي صاحب أو من له معي أدنى معرفة، حتى أضع يدي في يده، وهل ينتظر مني القارئ أن أعد له كما كنت أعد قبل من أبناء فاس ومكناس والرباط، لا لا والله، فإن كل مراكشي إلي حبيب، وكل من له هناك وجود له في قلبي مكانة، حتى الجدران القائمة، حتى النخيل الباسقة، حتى الأعوان أصحاب الدبابيس ـ بعدي ـ فكلهم لي أوداء وفي قلبي للجميع ما فيه، فأصحاب الرحبة القديمة وسكان أزبزض، وجيران المنجرة والمارون بـالرميلة والذين يتجمعون في أزقة المواسين أو ينحشون في جامع الفنا، فكلهم لي ومني وانا لهم ومنهم، ولأمر ما كان الشاعر القسمنطيني يذكر في رحلته اليائية ما يذكر حتى وصل مراكش فقال: وفي مراكش يا ويح قلبي أتى الوادي فطم على القرِيّ فمراكش قديما وحديثا معجونة بالألفة، فإنها تألف وتؤلف، وأهلها أصحاب القلوب الطيبة والسرائر الصافية والمودة الخالصة، فإن كان غيري ممن لا ينصف يرى هناك غير ما ذكرت، فما مثلي ومثله إلا كمن جنى وردا من شجرة فأثنى على الشجرة، على حين أن غيره ملذوع بشوكتها من غير أن يكون له حظ من زهرها، فذكر كل ما رأى، ولا خير في ورد لا شوك له يصونه ، كما لا خير في شوك لا زهر معه ينسي طيبه لدغاته. لو كنت أحمل شيئا في صدري لأحد أهلها لحملته على من عتلوني بتلك السيارة صبيحة 28 من ذي الحجة 1355 هـ، ولكنني عرفت من أين أوتيت فمسحت كل من تضمه الحمراء من كل لوم وكل تبعة. *********** وختم كتابه ذكريات بتحية لكل أودائه ومعارفه بالتسليم على مراكش وأهلها حيث يقول: تحية معسولة إلى جميعهم اجمعين، أكتعين أبصعين، سواء أجريت اسمه في هذا الجزء أم لا، ثم أعود فأكرر التحية لـالرميلة وأبناء الرميلة وتلاميذ الرميلة، وأصحاب دكاكين الرميلة، والمصلين والإمام والمؤذن في الرميلة. كما أسلم من بعيد، بل من قريب ـ لأنهم مشخصون الآن في قلبي ـ على كل أصحاب حومة باب دكالة، وعلى كل سكان المواسين، غير ناس القضاة وأبناء القضاة، والأساتذة وكل من يمت إلى المواسين، وعلى كل تجار القيصاريات والحدادين، وعلى الرحبة القديمة التي فيها اناس على أعزة لا يبلى ودهم، ولا يقدم إخاؤهم، وعلى سكان أزبزط وعلى الجامع اليوسفي، وعلى كل أساتذته المنظمين وغير المنظمين، بل يعود سلامي أيضا حتى على ملاح الحمراء، وعلى كل من إلى الحمراء، حتى الحمام المطوق والنسيم العليل والماء الزلال، فإنني يا بني الحمراء ـ لا أستثني منكم أحدا ـ لأناديكم جميعا وأنا في خلوتي هذه، ولا أخص منكم أحدا، فكلكم مني وإلي: ثكلت فؤادي يوم ينسى هواهم وإن زادني الدهر الخؤون التنائيا تزول الرواسي الشامخات وفي الحشا هوى لصحابي ليس ينفك راسيا ما جاء في كتاب الإلغيات وهذه نماذج ننقلها من كتابه الإلغيات، نستشف منها هذه الحميمية لمراكش وأهلها، وسنبدأ بما كتبه عن جولة خيالية في الحواضر عند قدومه إلى مراكش وهو إذ ذاك بمنفاه بـإلغ، ثم نأتي بعدها بشذرات من بعض ما خطه في هذا الموضوع: ...ثم أمر إلى الحمراء حيث الفؤاد لا يزال ثاويا، حيث مناهل الصفا عذبة الموارد، يردها هناك كل وارد، حيث الإخوان عبد القادر المسفيوي وعبد الجليل بن القزيز، وأحمد بن الفضيل، ومحمد بن عبد الرزاق وسيدي بريك وسيدي محمد بن عثمان، فأزور هذا وذاك، وأتملى من هنا وهناك، وألتزم كل واحد بطول الاشتياق، وأمر بـالسمارين فأحيي الأخ أحمد المنجرة تحية عطرة.... ثم نلتفت إلى الأخ العربي بنيس، فيجري إلينا توا، ثم بعد ذلك ألقى المفكرين عبد الله إبراهيم وعبد القادر بن حسن ومحمد الملاخ، ثم أظهر أخيرا في الرميلة... فإذا أنا أرى الأستاذ عبد الرحمن بن فارس والمفكر علي ابن المعلم ومحمد ابن القائد ومحمدا الدليمي ومحمدا الدكالي ومحمدا الدفالي وأحمد الزيتوني... ثم أستحضر الأخ المؤرخ محمد الكانوني الذي فرق الدهر بيني وبينه، أولا بالغربة، ثم بالموت بعدها... كذلك أهوى أن أستمع قبل أن أغادر هذه الحياة برؤية إخوتي في الحواضر، فأنا ما كنت إلا بهم، فلولاهم لم أكن عند نفسي ولا عند غيري شيئا مذكورا... üüüüüüüüüüü ...ها أنذا غدا في الحمراء... فإن للحمراء في السويداء مكانة لا تصلها البيضاء ولا الصفراء، لأنها كانت أمس ملتقى الأحباب، ومثابة الأفكار، ومدرج أبناء القلب... ... في كل يوم أكون لديكم فأرى إخواني ويرونني، وأشاهد من زملائي ما أتصوره في اليقظة، ولم أنس أي واحد من كل من عرفته، سواء من الطلبة ومن غيرهم، وهذه الليلة التي مرت بي، والتي أصبحت عن اليوم، رأيت كأني ناقشت فيها الأستاذ سيدي عبد القادر، وسيدي عبد الجليل، وسيدي محمد الكانوني وآخرين، وليت شعري أيكونون في المنام كما أنا، أم اكتفوا بجهودهم في اليقظة... وإني لمشتاق إلى مولاي عبد الله وشاعر الحمراء الجديد عبد القادر، والملاخ وجميع إخواني، والروداني وابن فارس وكل واحد واحد، ولا أحتاج إلى أن أتتبع أسماءهم وأما شوقي المغربي، فحدث عن البحر ولا حرج... üüüüüüüüüüü ...تطلع الشمس وتغيب وتتعاقب الأنهر والليالي، وتمر شهور فشهور، وما أضمه لك ولكل الإخوان الذين تضمهم معك البهجة، لا يزداد إلا شدة أوار، وتزايدا يتموج كما يتموج حباب الماء، يوم تختلف الأعاصير بالدأماء، وقد اكفهر الجو وأزبد العباب، وتلاطمت الأمواج بالبحار. إيه ستة عشر شهرا مضت وهي مظنة تراجع الفؤاد، ممن كان وده عرضا لم ينبعث عن شعور حار، ولا تبجست به الأعماق، ولكن فؤادي أبى عليه إخلاصه الذي جبل عليه إلا أن يستديم تلك الشعلة التي اندلعت منه بغتة يوم أقلتني السيارة ضحى يوم 28 ذي الحجة 1355 هـ، ثم ما زادته تقلبات الأحوال من رجاء إلى يأس، ومن يأس إلى رجاء، إلا لهفا لا يدري صداه انقشاعا ، ولا يجد إليه التناسي من سبيل. ...منذ ليال لا أنام إلا معكم، فنهاري هنا، ولكن لا أكاد أغمض عيني حتى أنتفل إلى مصافحتكم، فأرى فلانا وفلانا، فهذه حالتي، فلينظر كل واحد منكم حالته في مثل ذلك الحين ليعلم أيجاري إخلاصي وتعلقي ووفائي، أم أنني على كل حال من السابقين... ولكن لي قلبا حيا طفارا، لا يعرف التسلي بغيركم، ولا يرى في التفكير في سواكم حلاوة يستمد منها طلاوة الحياة... ...إن قلبي ليتفطر على أبنائي هناك أكثر مما يتفطر على ما جرى لي، لأنني ـ ولا أكذب الله ولا أكفر نعمه ـ في بلهنية عيش وظل ظليل من الهدوء، فلئن حرمت مواصلة إخواني ـ وهي كل مصدر الأماني ـ فإنني صابر محتسب، (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)... زفرات حنينية في مراكش وأهلها وكما بث هذا الشوق والحنين والاعتراف بما أسدته له مراكش وذووها نثرا، فإنه سجل ذلك شعرا، ونجد في الكثير من قصائده ذكر لهذا التلاحم المراكشي، ونورد هنا بعض ما جاء في إحدى زفراته وهو في منفاه بـإلغ يوم عيد الأضحى لسنة 1959 هـ قال: عيد ولكن أين ما أعتاد عندي إذا ما حلت الأعياد؟ أين الرميلة أين بهجتها؟ وأيــ ن بنو الرميلة من هم الأكباد ؟ ويقول: إيه بنو الحمراء يا من ودهم لحياتي الأطناب والأوتاد بكم قنعت مسارح الآمال ما عندي وراء ودادكم مرتاد أردتموني نطفة يا طالما سيمت فخابت دونها الوراد من مثلكم من مثلكم أهل الوفا إن عدت الأمثال والأنداد أنا ـ وتب العادلون ـ أرى لكم شبها؟ وكيف وكلكم أمجاد؟ وفي زفرة أخرى أرسلها من منفاه بإلغ عندما جلس إليه بعضهم يسليه ـ على حد تعبيره ـ الذي قال له أن يحمد الله حين لم يكن من بين المسجونين في رودانة أو ممن أصيبوا بالوباء، فزفر هذه الزفرة في قصيدة جاء في أولها: يقولون شكرا .. ولكن يقولون شكرا إذ نفيت من الحمرا ولم تك ممن ذاق في مطبق ضــــرا وشكرا عظيما بعد ذلك ثانيا إذ الرزء بالطاعون لم يصلك الجمرا فكل بني الحمرا ما بين هارب ولما يصب، او من يزجونه قــــــبرا فلو كنت في اليوم ما انت فاعل؟ بربك قل ماذا؟ ألا تشتهي صحرا؟ ألا تتمنى أن تجاور هكذا أقارب لم يـــــألوك جهدهم بـــــــــــرا 17 ـ 1 ـ 1357 هـ

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.