يتردد هذا السؤال بشكل لافت في الآونة الأخيرة، وذلك بفعل أربعة تطورات تسارعت في الشهر الماضي. إذ كانت البداية مع تفكيك ما سمي بخلية بلعيرج وحل حزب البديل الحضاري، في خطوة تأكد ضعف سندها القانوني وهشاشة المرتكزات التي انبنى عليها، فضلا عن التسرع البالغ في القيام بها. ثم جاء الكشف عن وجود دورية رسمية لوزير الداخلية وجهت للمسؤولين المحليين، وتقضي بتشديد التضييق على جماعة العدل والإحسان وعدم التساهل معها. وتوازى مع كل ذلك عودة خطاب استئصالي يسوّق للنموذج التونسي، ويعتبر أن قضية ما سمي بخلية بلعيرج حملت معها ناقوس إنذار للدولة من أجل أن تراجع سياستها القائمة على التمييز بين المعتدلين والمتطرفين وخوض حرب شاملة ضدهم. فضلا عن التحليلات التي عبرت عن كون الموضوع يحمل من بين ما يحمل رسالة إنذار لحزب العدالة والتنمية، ويقدم مؤشراً على المدى الذي قد تبلغه الدولة في مراجعة أي من خياراتها، مع الإشارة إلى أن الموقف الرسمي حرص على استبعاد مثل هذا الأمر في خطاباته وتصريحاته. أما التطور الرابع فهو الخطاب الذي واكب ظهور ما سمي بحركة +كل الديمقراطيين بالمغرب؛ التي يرعاها الوزير المنتدب في الداخلية سابقا، والتي تقدم نفسها كحركة قائدة لمد ديمقراطي حداثي في مقابل مد إسلامي متنام. تفيد التطورات السابقة أن حالة الانفتاح على الحركة الإسلامية في المغرب حالة هشة ومهددة، ودون أن تكون هناك مقدمات واضحة لها. وهو ما يشير إلى أن ما يسمى بالنموذج المغربي في التعاطي مع الحركة الإسلامية لم يستطع أن يتجاوز مرحلة الاختبار، فضلا عن أن يكون مشروعا قابلا للتعميم والتصدير لغيره من دول المنطقة المرتهنة لمخلفات سنوات من السياسات الاستئصالية دون أن تصل للاستقرار المنشود.ولعل من عناصر الهشاشة هي استمرار عدد من المقولات النظرية حاكمة لمنطق تفكير عدد من المؤثرين في صناعة القرار حول الحركة الإسلامية، مع تفاوت بين من يعمل على ضوئها مجتمعة وبين من يأخذ ببعض منها، ويمكن إجمالها في خمس: - الاستثناء الديمقراطي: ويقوم على أنه لا ديمقراطية لغير الديمقراطيين، خاصة أن المشروع السياسي للإسلاميين يحمل خطرا على الحريات الفردية. وهذه مقولة هشة، بحكم أن المناهض للديمقراطية لا يمكنه أن يقدم نموذجا عنها في حياته التنظيمية الداخلية. - ليس في القنافذ أملس: وهي مقولة تعتبر أنه لا فرق بين المعتدلين والمتطرفين، فكلاهما خطر على الاستقرار، وأن الأهداف هي نفسها والاختلاف هو على مستوى الوسائل. وهذه مقولة سطحية تفضح غياب أي معرفة بالخطابات الفكرية في الحركة الإسلامية، ومستويات التعارض بين مكوناتها في قضايا حيوية في المجتمع والدولة، ليس أقلها الموقف من الديمقراطية نفسه. - نموذج الحكم البديل هو النموذج الدموي: وتستدعي نموذج الجماعات المسلحة في الجزائر. وهذا استنساخ يتجاوز التجربة المعاشة والميدانية ذات العلاقة بالاحتكاك المباشر ليستعير تجارب استثنائية ومنبوذة في الصف الإسلامي قبل غيره. - الثقة في الإسلاميين وَهْم: وتستند في ذلك على مبدأ التقية، في حين أن ذلك يستلزم غياب أي تقارب بين الإسلاميين في أي قضية من القضايا فالتقية إن كانت منهجا لهم، فالأولى أن يحذر كل واحد منهم الآخر. - المسؤولية المعنوية: حيث يقدم الخطاب الاحتجاجي للحركة الإسلامية والمتعلق بقضايا الهوية والفساد العام والأزمة الاجتماعية أو ضعف الموقف الرسمي في قضايا السياسات الغربية كسبب لبروز الإرهاب وشحن منفذيه، وهي مقولة تتجاهل كون التطرف برز قبل التوجهات المعتدلة، وأن هذه الأخيرة مستهدفة هي الأخرى به باعتبارها مهادنة ومستكينة وعاجزة. آثرت التوقف المركز عند كل مقولة من المقولات الناظمة للتفكير الاستئصالي بالمغرب، مع شيء من التعليق المركز عليها لإثبات هشاشتها وتفاهتها، إلا أنها مؤثرة وقادرة على التكيف مع المتغيرات السياسية والاجتماعية، وهو ما يعود إلى غياب جهد فكري قوي يعمل على تفكيكها ونقضها وفضح امتداداتها في تدبير العلاقة بين الدولة والحركة الإسلامية، وبدون ذلك لا يمكن أن نتوقع تجاوز المغرب للخطر الذي تمثله على المستقبل الديمقراطي له