كشف الأستاذ موسى الشامي خلال ندوة اللغة العربية في التعليم والإدارة والإعلام والمعلوميات التي نظمتها الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية يوم السبت الماضي أن الوزير الأول اعترف في اجتماع جمعه بالجمعية بأن هناك صعوبات قوية وعتية تقف حجرة عثرة في وجه الحكومة للمضي إلى الأمام في موضوع اللغة العربية. يأتي هذا الكلام من الوزير الأول بعد أقل من شهر من حديث حكومة عباس الفاسي عن خطوات عملية ستقوم بها من أجل إعادة الاعتبار للغة العربية. الملاحظ للموقفين المتقابلين يمكن أن يخلص إلى أحد احتمالين: الأول: وهو أن الحكومة فعلا حاولت أن تنزل هذه الخطوات إلا أنها وجدت صعوبات كبيرة وهي بسبيلها إلى تجاوز هذه الصعوبات والأمر في نهاية المطاف يتعلق بقضية وقت. الثاني: وهو أن حزب الاستقلال حكوميا وهو يستصحب عناوينه الكبرى التاريخية لم يستحضر تماما المعادلة السياسية، وأن جهات ما طلبت منه أن ينسى شيئا اسمه اللغة العربية وإعادة الاعتبار لها وأن يتكيف مع الواقع بمعطياته الحالية وألا يدخل مفردات سياسية تنتمي إلى أمس التجربة إلى عصر الحداثة والديمقراطية !! الاحتمالان معا واردان، ولا سبيل إلى دفع الاحتمال الثاني إلا بخطوات عملية تنقل فيها الحكومة الحديث عن اللغة العربية من مستوى النوايا الحسنة إلى مستوى خطوات إجرائية يرى الرأي العام من خلالها تحسنا ملحوظا في مكانة اللغة العربية على كافة الصعد، سواء تعلق الأمر بحضور اللغة العربية بالشكل المتطلع إليه في برامج التعليم وأسلاكه، أو تعلق بحضورها في الإدارة ومراسلاتها التحريرية، أو تعلق الأمر بتأطيرها لفضاء الإشهار والإعلان على واجهة المحلات والشوارع... وما لم تنهض الحكومة للقيام بخطوات فعالة في هذا الاتجاه، فسيكون التفسير الوحيد لكلام الوزير الأول هو أنه يعلن العجز الكامل عن ترجمة هذا العنوان الكبير الذي طالما نادى به حزب الاستقلال وجعله عنوانا كبيرا في برنامجه. وقبل أن نصل إلى هذه النتيجة، وقبل أن نخوض في معنى كلام الوزير الأول، يكون من المطلوب أن الوزير الأول وفي إطار الشفافية والوضوح مع الشعب أن يكشف عن طبيعة هذه الصعوبات القوية والعتية التي تقف حجرة عثرة في وجه الحكومة للمضي إلى الأمام في موضوع اللغة العربية، وهل يتعلق الأمر بجهات نافذة تعرقل هذه المساعي، أم مصالح أجنبية دخلت على الخط حين سمعت الوزير الأول يتحدث عن خطوات عملية لإعادة الاعتبار للغة العربية. المشكلة أن مسؤولين في حكومتنا يتمنون أن نسكت عن الخوض في تفسير كلامهم، لكنهم لا يألون أي جهد في أن يكونوا على مستوى من الوضوح الذي يمنع مثل هذه التأويلات. فماذا كان يضر الوزير الأول ـ وهو الذي ظل حزبه إلى اليوم يناصر اللغة العربية ويتصدى لحمايتها والدفاع عنها ـ أن يكاشف الشعب ويشرح الأمور كما هي وألا يتخفى وراء مفردات مثل الصعوبات ليبرر عجز الحكومة عن التقدم أي خطـــوة في اتجاه التمكين العملي للغة العربية في الإدارة المغربية؟ لغة الإكراهات ربما تتفهم في قضايا الاقتصاد والمالية، لكنها في قضايا الهوية والاختيارات الكبرى التي تندرج ضمن تأكيد عنصر السيادة لا يمكن أن تكون موضع تبرير.