كشف تقرير المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وكذا وقائع الندوة التي عرض فيها، عن كون المقاربة التي اعتمدتها المنظمة الحقوقية في معالجة ملف شواذ القصر الكبير طغى عليها الطابع السياسي والأيديولوجي على حساب المقاربة الحقوقية.وتتلخص إستراتيجية التقرير على نفي وقوع شيء اسمه زواج الشواذ وأن الشارع هيجته جهات دينية وسياسية وإعلامية. ففي سبيل نفي وقوع زواج الشواذ، وهو ليس جديدا في تدبير ملف شواذ المغرب، وبعد تقديم منهجيته المعتمدة، والتي لم يشر فيها إلى لقائه بالأطراف التي يوحي بوقوفها وراء الحدث ولا بالمواطنين الذين تظاهروا، قدم التقريرالعرس على أنه حفل تخللته طقوس وعادات معروفة وشائعة... بدار مخصصة للاحتفالات والمناسبات الخاصة بحضور ما ينيف عن 150 شخص (من بينهم40 امرأة وأطفال). هكذا بوثوق الشاهد على الحدث و بهذا التدقيق الرقمي والفئوي، الذي لو صح لكان كافيا لتكذيب كل الزخم الإعلامي الذي رافق الحدث، رغم أن وسائل الإعلام لم تتحدث حينها سوى عن 50 من الحضور. ولم يشر التقرير إلى ما تبث من كون المدعوين من الذكور كانوا بلباس النساء. لكن تخريجة حقوقيي المنظمة في الندوة متطابقة مع تخريجة وزير الداخلية قبل ذلك في البرلمان فحقوقيو المنظمة يعتبرون لبس الرجل لالمضمة، التي تلبسها النساء عادة في الأعراس، هو أمر عادي ولا يتعلق بالشذوذ لأن هناك وزراء سابقون والتواركة كانوا يلبسون المضمة والوزير من جهته يفسر ذلك بوقوع شعوذة تقتضي طقوسها أن يلبس الرجال لباس النساء. وفي محاولة للحسم في عدم وقوع عرس الشواذ وإزالة كل آثاره حاول التقرير تمرير واقعة غريبة شهدتها تطورات الملف حينها وتتعلق بالموقف المضطرب لجريدة عين الشمال فالتقرير أقر بأنها نشرت يوم 28 نونبر 2007 خبرا مفاده أن القصر الكبير شهد زواج شواذ وأنها كانت في صلب الحدث. وأورد كذلك ، دون تعليق أو نقد، كون مدير الجريدة أصدر بيان حقيقة أبرز فيه أنه نشر أخبارا زائفة، تحت طائلة التهديد والوعيد الذي تعرض له عبر رسائل مجهولة استهدفت تصفيته والانتقام من أسرته. و متتبعوا الحدث حينها تابعوا مقاطع الفيديو التي تناقلتها المواقع الالكترونية وكانت تظهر مدير الجريدة في الحفل. ورغم أنه يشهد على نفسه بنشر أخبار زائفة، فالمنظمة الحقوقية تقبل شهادته، ربما لأنها مشفوعة بادعاء النشر تحت التهديد رغم أن المنطق يفرض، من جهة، أنه إذا كانت الشهادة قدمت تحت التهديد فالتراجع عنه يجعل التهديد يتحول إلى التنفيذ. ومن جهة أخرى، أن التراجع عن الشهادة هو الذي يكون عادة تحت التهديد والابتزاز وليست الشهادة وأن الحسم يجب أن ينبني على تحقيق في الواقعة مع فرض أن نشر خبر الحضور ربما كان ورائه هدف ترويج الجريدة. وفي محاولة لترسيخ استنتاج التقرير عدم وقوع زواج الشواذ أورد التقرير خبرا مفاده أن 12 فردا ممن حضروا الحفل أودعوا لدى السلطات، يوما واحدا بعد المظاهرات، عريضة وقعوها يؤكدون فيها كون الحفل يتعلق بليلة كناوة رغم أن أجواء التهديد في المنطقة التي دفعت جريدة إلى نشر شهادة زائفة وجعلت محامين، حسب التقرير، يمتنعون عن الترافع عن الشواذ...، رغم كل هذا يقدم هؤلاء على شهادة تناقض اعتقاد آلاف المواطنين في البلدة. المستوى الثاني في استراتيجية التقرير تتعلق باعتبار أحداث القصر الكبير سياسية وبخلفية دينية . وللوصول إلى هذه النتيجة عمد التقرير إلى عدة خطوات. الأولى هي حصر لائحة الهيئات التي قدمت شكاية إلى السلطات العمومية لفتح تحقيق واتخاذ الإجراءات الضرورية في حق الشواذ في 3 تنظيمات إسلامية هي جماعة العدل والإحسان، حزب العدالة التنمية، حزب البديل الحضاري بعد أن أخرج التقرير كلا من فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالقصر الكبير، بدعوى أنها مبادرة فردية لم تستشر فيها أجهزتها و منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب بدعوى تراجعه عن توقيعه، رغم أن عدم الاستشارة في التوقيع أو التراجع عنه لا يلغ وقوعه بملابساته الأصلية. الثانية، وبعد إثبات عدم وقوع زواج الشواذ، وحصر القضية في ثلاثة تنظيمات إسلامية، قدم التقرير لوحة علاقات تتزامن فيها الوقائع ويفهم منها وجود مخطط. فالتظاهرة التي تخللتها حركات احتجاجية وأحداث شغب حسب نفس التقرير وواكبتها متابعة إعلامية كثيفة، لعبت فيها خطبة الجمعة دور المحرض ولعب فيها فريق حزب العدالة والتنمية دور الغطاء السياسي. فحسب التقرير حذر إماما مسجد وادي المخازن ومسجد سيدي الهزمري يوم الجمعة 23 نونبر 2007 في خطبتهما، من تفشي ظاهرة المنكر في المجتمع مذكرين بغضب الله متى وقع التقاعسب وهو ما يوحي من جهة بوجود عنصر التحريض في الخطبتين، ومن جهة أخرى، يوحي تشابه عبارتيهما بوجود مخطط وتدبير جماعي. هذا دون أن يذكر التقرير مصدر هذا التدقيق في مضمون الخطبتين أو اللقاء بالخطيبين. ويضيف التقرير في الوقائع خرجت جماعات مباشرة بعد انتهاء صلاة الجمعة للتظاهر وهي تردد : هذا عار، هذا عار، القصر الكبير في خطر.. لكن التقرير سيحسم سيناريو المؤامرة السياسية بأمرين الأول يتعلق بالحديث عن سؤال شفوي آني بمجلس النواب قدمه حزب العدالة والتنمية في الموضوع، حرف التقرير تاريخ وروده حيث قال بأنه طرح يوم 23 نونبر 2007 أي يوم التظاهرة في حين أنه لم يطرح إلا في 28 فبراير أي بعد 5 أيام. الثاني بالإصرار على الخطأ حيث أن بعثة المنظمة إلى القصر الكبير سبق وأن قدم لها تصحيح التاريخ من طرف رئيس المجلس البلدي وهو برلماني عن الحزب المعني. ويتأكد هذا الإصرار في ندوة تقديم التقرير، بعد إثارة الصحافة للخلط في التواريخ، من خلال إصرار رئيسة المنظمة وقولها على أن التزامن يحمل استغلالا للآلية الديمقراطية لهدم الديمقراطية مما يوضح الهدف من البحث عن تزامن الوقائع في بحث عن إثبات الربط بينها. الخطوة الثالثة تمثلت في محاولة نزع المصداقية عن الصحافة التي تحدث عن عرس الشواذ باتهامها ب نشر ادعاءات وإشاعات، وتقديمها كحقائق للرأي العام وعدم التزامها بـ: احترام قواعد مهنة الصحافة. وانتقت عينة من العناوين تفيد ذلك وأرفقت تقريرها بثلاثة ملاحق كلها موجهة إلى الصحافة تحدث الأول عن المبادئ الأساسية في مجال حماية الكرامة الإنسانية وتحدث الثاني عن الواجبات الأساسية للصحفي في تقصي الأحداث وتحريرها والتعليق عليها وتحدث الثالث عن آداب المهنة. وبعد تخريجته المتهافتة خلص التقرير في نهايته و تحت عنوان استنتاجات ذات صلة بالقيم الديمقراطية الى خلاصة تلخص الحدث في :قيام تيارات إيديولوجية وسياسية باتهام مواطنين بالمس بالأخلاق العامة وتأليب شرائح اجتماعية مما كان له آثار وخيمة على التعايش الاجتماعي والنظام العام وهو خطاب وشائي وتحريضي واضح.