إن جاز لنا الحديث عن فيروس للكتابة، و هو أمر لا يجانب الصواب كثيرا مادامت العلاقة بين الكتابة و المرض علاقة ثابتة. أقول إن مرض الكتابة لم ينفصل عندي يوما عن مرض القراءة، فمنذ أولى النصوص التي شرعت في قراءتها تشكلت عندي رغبة في الكتابة، لعلها كانت كتابة محاكاة، كتابة على هامش ما قرأت، و لعلني إلى اليوم مازلت مسكونا بهوامش النصوص، فكل كتاباتي هي كتابات موازية لما أقرأ و كل نصوصي في بحث متواصل عما يسندها من أعمال مبدعين آخرين. إن جاز لي إذن أن أتحدث عن فيروس للكتابة سأقول إنه فيروس متجدد مافتئ يتغير ويتلون بتلون و تغير ما أقرأ، إنه فيروس ذو تاريخ ممتد من أول نص قرأته (وهو نص منفلت يصعب على الذاكرة إمساكه) إلى النص الذي أقرؤه الآن (كتاب الفجر لنيتشه). طبعا بعض النصوص كان لها بالغ الأثر في استفحال مرض الكتابة وتطور فيروسه، مثل نصوص التراث العربي واليوناني وروايات الروس والأمريكيين وأعمال بورخيس وكافكا وزكريا ثامر وغيرهم لكن ليس بوسعي الجزم بأن كاتبا ما يتحمل وزر إدخالي عالم الكتابة، فعلاقتي بالقراءة والكتابة علاقة بنصوص وليس بكُتاب، لهذا لا أحاول عادة الركض وراء استجلاء أساليب الكُتاب وطرق نظمهم لأعمالهم بقدر ما أحاول استنطاق كل نص على حدة و بشكل متعسف لا يحفظ لصاحبه أي اعتبار، فإيماني العميق بفعلي القراءة والكتابة هو إيمان بجودة النص وإمكانات انتهاكه لا إيمان بقيمة الكاتب وإمكان محاكاته.