صادق مجلس النواب السنة الماضية على قانون رقم 27,06 ، الخاص بأعمال الحراسة ونقل الأموال كبديل لظهير 1937 الذي كان يقنن القطاع آنذاك، وليشكل نقلة مهمة في سد الفراغ القانوني الذي ساهم في خلق العديد من الشركات غير المؤطرة لمباشرة قطاع حساس وهام في الوقت ذاته .ولأن مشروع القانون رقم 27,06 الذي يتعلق بأعمال الحراسة ونقل الأموال، يكتسي أهمية كبرى نظرا لأنه سيساهم في الحد من الفوضى التي تمارس بها أنشطة الحراسة في مختلف المجالات، إلا أن المادة 15 التي تشير إلى إمكانية مستخدمي مقاولات الحراسة ونقل الأموال أن يكونوا مسلحين وفق ضوابط تنظيمية.. أثارت ولا تزال تثير جدلا واسعا من قبل العديد على اعتبار أن القطاع يحتاج أولا إلى تأهيل العاملين به وتكوينهم، تم إلى حفظ حقوقهم القانونية والإنسانية قبل أي شيئ آخر، وشكل ملتقى الرباط شارك فيه ممثلون عن جامعة إيسكس كونتي كوليدج الأمريكية الرائدة في مجال الحراسة الخاصة، بتوقيع اتفاقية شراكة بين جامعة محمد الخامس أكدال والجامعة الأمريكية، فضاء للحوار والتشاور وتبادل الخبرات والتجارب بين المهنيين والهيئات العمومية الخاصة بالأمن، ومناسبة للاعتراف بالعراقيل التي يواجهها القطاع من توفير الآليات الضرورية للاشتغال وتأهيل العنصر البشري وكذا الوقوف على مدى مساهمة الدولة في مسلسل تأهيل المقاولات المعنية. الهروب من شبح البطالة مهنة من لا شغل له، كان رد فعل بريء من عبد العالي الذي يشتغل في احدى الشركات المختصة في الأمن الخاص، حين سألناه عن اختياره لهذه المهنة، كنت أتمنى أن أكون موظفا محترما إلا أن الظروف المادية دفعتني للارتماء في حضن شركات لا تبغي إلا الربح السريع على حساب حياتنا وجهودنا. نتقاضى ألفا ومائتي درهم في الشهر، ونشتغل 12 ساعة في اليوم، ولا أوراق تحمينا من غدر صاحب الشركة ( عقد العمل، التغطية الصحية والتأمين)، الذي يتحكم في مصيرنا كيفما شاء، ويستغل حاجة بعضنا للقمة الخبز الحلال سيما المتزوجين منا ليشترط علينا كيفما شاء، وبمبلغ لا يكفينا نصف الشهر، كان عبد العالي يتحدث بسرعة ويحاول أن يطلعنا على الظروف المزرية التي يعيشها الكثير من المستخدمين في هذا القطاع الذي لا يقدر أحد يقول عبد العالي قيمته، ولا الخطر الذي يمكن أن يلحق العاملين به في كل حين سيما خلال الليل . ولم يكن محمد صاحب شركة للأمن الخاص والنظافة أقل تذمرا من عبد العالي، لكن لكل رؤيته، يتحدث محمد عن الشركات الكبرى التي تلتهم الشركات المبتدئة، بقوله إن الشركات الكبرى تستأثر بنصيب الأسد فيما يخص الصفقات العمومية المتعلقة بالأمن الخاص ولا تترك لنا حتى الفتات لنعيش منه، نحن نشغل أشخاصا غير مؤهلين لهذا العمل ونود لو تكرمت وزارة التشغيل والتكوين المهني بفتح شعبة خاصة برجال الأمن الخاص لتأطيرهم أكثر، سيما أن القطاع لا يضم سوى الأشخاص الذين اضطروا للعمل فيه لأجل العمل وليس بسبب تكوينهم الذي يؤهلهم لذلك . ولكي لا نتحدث دائما عن المستخدم الذي يؤكل حقه ويستغل من طرف مشغله يقول محمد، سوف أشرح الأمر بشكل واضح، أتعاقد مع شركات الأمن الخاص بمبلغ 1500 درهم للمستخدم، وإذا ما حاولنا أن نمنح هذا الأخير كل حقوقه القانونية سوف نمنحه كراتب شهري 1200 درهم، ونحتسب له 15 يوما فقط في حين سيشتغل على مدار الشهر، مبلغ التأمين 150 درهما، والمبلغ الذي يمنح للتغطية الصحية 106 درهما، ناهيك عن اللباس الموحد والهاتف..، فلنتصور إذن ما سيتبقى لي كمستثمر حين لا يتعدى المبلغ 1500 درهم . تساءل محمد تم أجاب بسرعة دون أن يترك لنا مجالا للتعقيب، المبلغ الهزيل الذي تأخد به بعض الشركات سيما المبتدئة هو ما يجعل معظمها يتغاضى على مبلغ التأمين والتغطية الصحية ليتبقى بعض الربح . وللخروج من الأزمة، يقولمحمد يلزم بعض اليقظة من الجهات الرسمية المختصة، وعدم السماح للشركات التي تقدم العروض الناقصة من التواجد في السوق ومنح الشركات التي تريد الاشتغال بشكل قانوني بعض التشجيع من خلال منحها سقفا معينا لا يتعدى 3500أو 4000 درهم للمستخدم مادامت الضرورة تفرض وجود هذه الشركات لتخفف من ارتفاع نسبة الجريمة، وتعدد المخاطر التي يواجهها العاملون في هذا الميدان، وبالتالي تتمثل الصعوبة الحقيقية تتمثل في تطبيق القانون، إذ يتطلب ذلك استثمارات رئيسية في الدعم اللوجستي والأسلحة وتدريب الموظفين في حمل السلاح واستخدامه. تأطير القطاع تنامى عدد الشركات الخاصة بعدد يفوق 500 شركة بمختلف مدن المغرب، لتوفر ما يزيد عن30 ألف منصب شغل، في حين لا يزال القطاع يشكو من العديد من المشاكل أهمها أنه صار قطاعا لمن لا عمل له في غياب التكوين والتأطير سواء صاحب الشركة أو المشروع أوالعمال ذاتهم . وأخيرا ارتأت الدولة أن تمنح لهذا القطاع الاهتمام الذي يستحقه من خلال الملتقى الدولي الذي نظم بمبادرة من مؤسسة معلمنت تكنولوجيا وبشراكة مع غرفة التجارة والصناعة والخدمات للرباط والمجلس الجهوي لجهة الرباطسلا زمور زعير وجامعة محمد الخامس- أكدال بالرباط يومي 27 و28 فبراير 2008 ، وشارك فيه ممثلون عن جامعة إيسكس كونتي كوليدج الأمريكية الرائدة في مجال الحراسة الخاصة، وتوقيع اتفاقية شراكة بين جامعة محمد الخامس أكدال والجامعة الأمريكية، وأبرز رئيس الملتقى الدولي الأول للحراسة الخاصة محمد بنجلون في كلمة بالمناسبة أن هذا القطاع عرف تطورا مهما خلال السنوات الأخيرة بالنظر لعدد الشركات الخاصة الذي يفوق 500 شركة بمختلف مدن المغرب، والتي توفر ما يزيد عن 30 ألف منصب شغل، مضيفا أن هذا القطاع الذي يتشكل من شركات منظمة وأخرى أقل تنظيما في حاجة ماسة إلى تدخل الدولة بغية تنظيمه وإعادة هيكلته. تحدث بنجلون على الحاجة الملحة لتأهيل القطاع، وقال في تصريح لـالتجديد أن ما بين 20 إلى 30 في المائة من شركات الأمن الخاص العاملة بالمغرب غير مؤهلة لتطبيق مقتضيات قانون شركات الحراسة الخاصة ونقل الأموال سيما بند حمل السلاح الذي يجب التوقف عنده كثيرا، على اعتبار أن القطاع يحتاج أولا إلى الالتزام بمقتضيات القانون، المرتبطة أساسا بالتكوين والتجهيز وحسن التدبير من قبل مهنيين بالقطاع، لأن المغرب في حاجة حقيقية إلى الأمن الخاص . حمل السلاح ظل التخوف قائما فيما يخص حمل السلاح لدى مجموعة من شركات الأمن الخاص، ولدى المستخدمين أيضا، تخوفات من الاستغلال السيء له، بالرغم من النصوص التنظيمية والشروط الصارمة التي من شأنها أن تحول دون استعمال السلاح لأغراض غير التي سطرها التشريع . وعن هذا التخوف يقول محمد صاحب شركة، صعب أن نمنح المستخدمين السلاح، ومهما كانت الخطورة التي تواجههم خلال حراستهم الليلية إلا أن السلاح طويل ومن شأن أي حركة مستفزة من أي مجرم أن تودي بحياته من طرف رجل الأمن في حين أن أغلب الأحيان لا يحتاج الأمر إلى ذلك سيما وأن المشغلين في هذا القطاع غير مؤهلين لحمل السلاح ولا لتقنيات الحراسة ذاتها . وفي السياق ذاته كان النائب عبد المالك لكحيلي قد عبر عن تخوفه باسم فريق العدالة والتنمية في المناقشة العامة لمشروع قانون رقم 06,27 الذي يتعلق بأعمال الحراسة ونقل الأموال، حين تحدث عن ضرورة استثباب الأمن لكن بشروط قائلا إن نعمتي الأمن والاستقرار التي يتميز بهما بلدنا بحمد الله عن العديد من بلدان المعمور منحة كبرى يتطلب منا المسؤولية أمام الله ثم أمام الشعب المغربي المحافظة عليها ورعايتها حق رعاية، وخدمات الحراسة ونقل الأموال ومراقبة الدخول والخروج للعديد من المنشآت والمؤسسات والأماكن العمومية من طرف حرس خاص بعضه مدرب ومهيأ للقيام بهذه المهمة وبعضه غير مؤهل ولا يتوفر حتى على شروط البلوغ والأمانة قد تسبب في العديد من الانزلاقات تتفاوت حسب الأشخاص الموكلة إليهم هذه المهام. وشدد لكحيلي، باسم فريقه على أن الحكومة مسؤولة عن الالتزام بما صرح به الوزير أمام اللجنة من ضمان حقوق وكرامة المواطن وتفادي الشطط عبر تضمين المراسم التطبيقية كل الضمانات التي تحقق ذلك، علما أن المشروع جاء بالمنع في المادة 16 وعدل بإضافة أحكام جزائية بالنسبة للمخالفين أما بالنسبة لنطاق تدخل المقاولات التي تمارس الحراسة فإنه يقتضي قيام المصالح الإدارية بواجب المراقبة الدقيقة والمستمرة خاصة وأن بعض الحراس سيسمح لهم بحمل السلاح وهذه نقطة أساسية وحساسة وقفنا عندها طويلا في اللجنة وأكدنا على وجوب التشديد فيه تفاديا لأي توظيف غير مسؤول للسلاح كما أكدنا في فريق العدالة والتنمية على حماية الشغيلة وطالبنا باتخاذ جميع الإجراءات لضمان عدم استعمال الباطرونا للحرس الخاص وخاصة حاملي السلاح لفك إضرابات العمال والذي استجابت له الحكومة بوضع عقوبات مناسبة للمنع الذي تنص عليه المادة 14 من هذا المشروع. الاحتماء بالأمن الخاص أمام تفاقم الوضع الأمني في الآونة الأخيرة والذي يتجلى في ارتفاع عمليات السرقة وانتشار الجريمة بشكل ملحوظ، أمام بعض المؤسسات التعليمية، ارتأت هذه الأخيرة أن تستنجد برجال الأمن الخاص عوضا عن الحراس العاديين في العديد من المدن المغربية، إلا أن ضعف الأجرة وانعدام الشروط الضرورية من شأنه أن يحول دون النتيجة المرجوة من هؤلاء، يقول إبراهيم (43 سنة وأب لـ 3 أبناء كان يعمل سابقا في حفر الآبار)، أعمل مع هذه الشركة منذ خمسة أ شهر بعد أن انعدم العمل في حفر الآبار، أكتري بـيتا صغيرا بقيمة 400 رهم للشهر، وأمنح 150 درهما لأداء فاتورة الماء و الكهرباء،. ولا يتبقى لي سوى 450 درهم شهريا بمعدل 15 درهم يوميا، وهي غير كافية لعائلة تتكون من 5 أشخاص، سيما أنه لدي إبن مريض بالقلب ومطلوب أن أسافر به مرتين في الأسبوع إلى مراكش للعلاج لكن ليس لدي الوقت ولا المال الكافي لذلك. أعيش في ظروف مزرية لا يشعر بها غيري. وفي الليل نمكث في بعض الأقسام لعدم وجود مكان مجهز خاص بالحارس. وقاطعه نور الدين هنيدة، حارس الأمن بإعدادية القدس(تجاوز 50 سنة، متزوج وله أبناء ويسكن بجوار المؤسسة) قائلا كنت أعمل سابقا مع جمعية الآباء حارسا ومنظفا إلى أن جاءت هذه الشركة فقامت الجمعية بتسجيلي، وعدونا بأن يعملوا على إصلاح وضعيتنا الإدارية والزيادة في الأجرة ابتداء من شهر يناير ,2008 لكن شيئا من ذلك لم يتم . نحصل منهم عل سروال وقميص وطربوش و(جاكيط) خلال السنة كلها وهي ألبسة غير كافية فيجب أن تكون، فعلى الأقل، كسوتان في السنة من أجل استبدالها في حالة اتساخها، وأضاف هنيدة و هو يتحسر على الحاجة و العوز، لولا مساعدات رجال التعليم بالإعدادية التي نشتغل بها في المناسبات والأعياد، ومساهمتهم في شراء الأدوية لزوجتي المريضة لما استطعت أن أعيش وأسرتي الصغيرة مستورين وأشار الحارس (ع.ل)، متزوج وأب لطفل ويسكن مع والديه، بأن حراس المؤسسات محرومون من الترسيم، ومن الضمان الاجتماعي، وأجرتهم قليلة جدا، ويعملون يوميا بدون عطل، ولا مكان لهم للإيواء ليلا. وأضاف أن مواد التنظيف الذي يعطى للمنظفات غير كاف لأنه ينقضي بأسبوع قبل انتهاء الشهر. ولا يأتي أصحاب الشركة في الوقت المحدد لأداء الأجور. وطالب علال حسن بإعدادية الزيتون( متزوج وأب ل3 أطفال ويسكن مع والديه )، الذي كان يعاني من كسر في إحدى يديه نتيجة سقوطه أثناء رغبته إبعاد كرة من باب الإعدادية ، بابتسامة مريرة بأن يمنحوهم الأحذية وأن يعترفوا بهم كموظفين لهم حقوق وواجبات، وتطرق إلى أن حراس المؤسسات يعملون 12 ساعة يوميا بدون عطل، الشيئ الذي يعني حسب علال أنهم يعملون 360 ساعة في الشهر بثمن 1000 رهم، أي حوالي50,2 درهم في الساعة، في حين أن حراسا آخرين في مدن أخرى يتقاضون ما بين 1500 و 2500 درهم شهريا من طرف شركات أمن خاصة بالحراسة. وأعطى مثالا من القلعة للحراس العاملين بمصنع الزرادي بأنهم يتقاضون 2200 درهم شهريا، و عن المشاكل التي يمكن أن تعترض رجل الأمن الخاص بتلاميذ المؤسسات ردد علال، أنه وجد صعوبة مع التلاميذ في بداية الأمر لأنهم لم يقبلوا بالالتزام بالوزرة، وكانوا قد اعتادوا الدخول إلى المؤسسة في كل وقت وحين. وأضاف تمت محاربة ظاهرة الشباب الذين يأتون خصيصا لمعاكسة الفتيات، وحتى الآباء لا يقبلون أن يطبق القانون وخاصة فيما يتعلق بالباب الذي نقوم بإقفاله في الوقت المحدد مما يجعلنا مستهدفين بالسب والشتم.