لا يمكن فصل مهمة عالي الهمة قبل إعفائه من مهامه في القصر عن مهمته بعد ذلك. كما لا يمكن فصل مشروعه السياسي، من جهة، عن السياق العام الذي تأسست فيه حركته ، ومن جهة أخرى عن حاجة الدولة المستمرة إلى تجديد آليات ضبط العملية السياسية في بعدها المتعلق بالصراع حول السلطة وتكييفها مع مستجدات المحيط الدولي وتطورات الساحة السياسية الداخلية. لقد اضطر الهمة، تحت ضغط الأسئلة والتخوفات التي أفرزها استعفاؤه من مهامه في القصر وانخراطه في العمل السياسي النيابي، وما أيقضه كل ذلك من فصول حاسمة في ذاكرة المغرب السياسية، إلى التأكيد على أن ليست له أجندة سياسية وأن أعضاء حركته يملكون الشجاعة لتأسيس حزب سياسي إذا هم أرادوا ذلك وأن جمعية:حركة لكل الديمقراطيين ليست فديك جديد. كان ذلك لطمأنة الأحزاب والمعنيين بالشأن السياسي عموما بأنهم لن يعيدوا تجربة الفديك. لكنهم يعلنون اليوم، في ندوة دعيت إليها وسائل الإعلام، باستثناء جريدتي التجديد والعدالة والتنمية، بأن مشروعهم أكبر من حزب سياسي وأن ما هم بصدده هو تأسيس فعل تاريخي. الواقع أن الدولة المغربية كانت دائما تحسم المراحل المهمة في تاريخ الصراع السياسي حول السلطة باستلهام منهجية الفديك مع اختلاف في الإخراج. بل إن هذه المنهجية طبعت تاريخ المغرب السياسي وإن بدرجات متفاوتة إذ لم ينقطع تزوير الانتخابات قط ولا صناعة الأحزاب ولا صناعة الخريطة السياسية ولا محاصرة المعارضة... وثمة مؤشرات قوية تجعل حركة الهمة، رغم نفيها ذلك، حركة بعث وإخراج جديد لفكرة ومنهجية الفديك وتكشف عن الحاجة التي يلبيها المشروع الجديد. فالمشهد السياسي الحزبي بالخصوص يتميز اليوم باستهلاك ثنائية الإداري والديمقراطي الذي ارتكزت عليه البنية الأساسية للمشهد الحزبي البرلماني. حيث انفرط عقد الوفاق الذي كان يضم أحزابا كانت تنعت بالإدارية وتحولت الكتلة الديمقراطية إلى إطار فقد كل مقومات الفعل السياسي ولم يشأ أي طرف من مكوناته تحمل مسؤولية إطلاق رصاصة الرحمة عليه. وتراجع التهديد الذي كانت تمثله الكتلة الديمقراطية، وتراجع الاتحاد الاشتراكي بصفته أكبر فاعل داخل تلك الكتلة. وبالموازاة مع هذا انتعش حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية وأصبح، رغم كل الجهود المبذولة للحد من تقدمه، القوة السياسية الأولى من حيث عدد الأصوات مع احتمال أن يعزز مكانته أكثر في الانتخابات الجماعية والمهنية القادمة. ومع كل هذه التطورات أصبح لزاما إقدام الدولة على مراجعات وتغييرات إصلاحات جوهرية ليس أقلها إجراء تعديل دستوري. هذه التطورات تبين أننا أمام شروط مماثلة لتلك التي استدعت بعث الروح في الفديك أكثر من مرة من قبل. غير أن تعقيدات كثيرة تجعل تطبيق منهجية الفديك تتطلب فعلا سياسيا أكبر من مجرد تأسيس حزب سياسي خاصة وأن ضمانات استمرار تماسك التحالف الحكومي الحالي، وبالخصوص داخل بنيته الأساسية المتمثلة في الكتلة الديمقراطية، أصبحت ضعيفة جدا. يضاف إلى ذلك غياب فاعل يستطيع بعث الروح والحيوية في تلك الهياكل السياسية القديمة وتعبئتها في الوجهة المنشودة. كما أن هناك حاجة ماسة، وهذا هو المهم، إلى من يؤطر مطالب التغيير وخاصة مطلب التعديل الدستوري حتى تكون متناغمة مع رغبة الدولة ولا يستفيد الإسلاميون سياسيا من نتائج تلبيتها. هذا المعطى يفسره ما ذهب إليه الهمة، حين وصف الدستور الحالي بالمتجاوز بل ذهب إلى اكبر من ذلك حين اعتبر المغرب يعمل بدستور عرفي آخر منذ .1996 كما تفسره أنشطة حركة الهمة : حركة لكل الديمقراطيين ووثيقة تأسيسها. فأرضية التاسيس كانت واضحة حين حديثها عن الإطار المرتقب لبلورة هذه المبادرة وتحقيق أهدافها حيث اعتبرت أنه لن يكون سوى إطارا مرنا للتنسيق خاضعا في بناء أشكاله التنظيمية لمنطق التدرج بحسب ما يقتضيه تطور الممارسة الميدانية لتضيف انه،أي الإطار،مفتوح على كل الفعاليات والكفاءات بغض النظر عن انتماءاتها ومشاربها السياسية والجمعوية والثقافية والاقتصادية... وتعزز هذا المعطى عمليا بتدشين مشاورات شملت 12 حزبا ، استثنت العدالة والتنمية. ورغم أن الأهداف التي أعلنت عنها وثيقة التأسيس لا تحمل جديدا، غير أن تصريحات قيادات حركة الهمة كانت واضحة في سعيها إلى التموقع السياسي من خلال المزايدة بالديمقراطية وبحماية الوطن من خطر التطرف وبمحاربة توظيف الدين في السياسة. كما أن المتأمل في منطق الحركة وأدبياتها وتصريحات مسؤوليها سوف يجد أنها إطار جديد لإطلاق دينامية تقاطبية إقصائية جديدة في المغرب، موجهة ضد العدالة والتنمية بالخصوص، عهد إليها بإنتاج شروط إجراء تعديل دستوري على المقاس وإصلاحات سياسية بنفحة علمانية. إن الجديد في التخريجة الجديدة لالفديك هو أننا أمام بلورة لوبي سياسي اقتصادي وإعلامي يخترق المجتمع المدني، يحتفظ ظاهريا بمسافة عن الدولة ومتواطئ مع الحساسيات العلمانية لحسم مرحلة حساسة من تاريخ المغرب المعاصر بعيدا عن الأساليب المباشرة القديمة.