في مقاله الذي نشره بجريدة بيان اليوم (عدد 22 فبراير 2008 ) بعنوان الأمازيغية والصهيونية، أورد الأستاذ عصيد عدة مقولات تحتاج إلى رد وتحرير . (1)ورد في مقال ذ عصيد بأن الأمازيغية ترمز إلى مبادئ وقيم الحرية والنسبية والتعدد بينما ترمز الصهيونية إلى الاحتلال والعنصرية وهذا في حد ذاته كاف لفهم التمييز الضروري بينهما. إذا كانت هذه المقدمة صحيحة وهي كذلـك، فإن ذ .عصيد لم يصل خ وربما لا يريد ذلك خ إلى النتيجة المنطقية المترتبة عن هذه المقدمة الصحيحة وهي أن (الصهيونية) و (الأمازيغية) لا يمكن أن يجتمعا في قلب واحد. أي بتعبير أكثر وضوحا لا يمكن للأمازيغي المتشبع بالقيم الأمازيغية أن يقدم على خطوات تطبيعية مع الصهاينة تحت أية حجة كانت . - إن الصهيونية لا ترمز إلى الاحتلال والعنصرية فحسب . إنها عقيدة لكيان يسمى اسرائيل اغتصبت أرضا فلسطينية ليست لها، وأبادت إبادة كلية أزيد من خمسمائة قرية ومدشر، وشردت أزيد من أربعة ملايين ونصف مليون إنسان مشتتون في مختلف أنحاء المعمور. والحالة هذه لسنا أمام قضية سياسية تختلف عقول البشر في فك رموزها وتحليل معطياتها، واختلاف المواقف تجاهها، ونحن هنا أمام مأساة شعب يباد أمام أعين العالم . وماذا تكون المأساة سوى أنها امتحان لكل ضمير حي، و لكل مثقف حر، ولكل إنسان فيه ذرة من الإنسانية. والموقف إزاءها لا يحتمل إلا أحد أمرين : أنا مع الصهيونية أو أنا ضد الصهيونية دون لف أو دوران. (2)ماذا كانت اسرائيل التي تحولت فجأة إلى قبلة لبعض من الفاعلين في الحركة الأمازيغية؟ ألم تكن سوى سلسلة من الإرهاب والمجازر والمذابح الجماعية من مذبحة دير ياسين .. إلى مجزرة صبرا وشاتيلا .. إلى مذبحة قانا .. إلى الحصار الجماعي على شعب أعزل .. إلى جدار الفصل العنصري... وهل كانت إلا سلسلة متواصلة من القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ؟ المطلوب إذن موقف واضح من دعاة التطبيع ومن المهرولين إلى اسرائيل سواء كانوا أمازيغ أم عربا أم غيرهم، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أو الديانة. - الواقع أن معالجة المشكل تتطلب تجاوز لغة الخلط والتغليط وعدم الهروب من الموضوع الحقيقي وهو مناقشة المحاولات الصهيونية الرامية في الآونة الأخيرة إلى اختطاف الأمازيغة ، والانزلق إلى التناول غير الموضوعي وغير العقلاني وغير النسبي ، وهو ما نجد في مقالة الأستاذ عصيد حينما قال خ في لغة تحريضية لا تخفى - : القومي العربي بالمغرب يتحدث تماما كالنظام السوري والإسلامي المغربي أصبح ممثلا لحماس أو لحزب الله؟ .بنفس المنطق وسيرا على نهج ذ عصيد في التحليل يمكن القول: بأن بعض الأطراف في المغرب ( وللأسف منهم بعض المحسوبين على تيار معين من تيارات الحركة الأمازيغية ) بدأت تتحدث في الآونة الأخيرة تماما كما تتحدث الصهيونية العالمية . وهذا يصب في تكريس الخطاب والمشروع الصهيونيين . (3)أما قوله بأن الحركة الأمازيغية تنطلق في موقفها من موقف إنساني واضح، فهو كلام جميل ومقبول. لكنه ليس هو كل شيء يا أستاذ عصيد، المغاربة الأمازيغ ينطلقون في مساندتهم لإخوانهم في فلسطين قبل أي شيء آخر من منطلق إسلامي. فهل نسيت بأن الأمازيغ يؤمنون بأن فلسطين أرض وقف إسلامية لا يجوز التصرف فيها إلى قيام الساعة. وهل نسيت بأن الأمازيغ أسسوا أوقافا إسلامية مازالت تابعة للمسجد الأقصى إلى اليوم. وهل نسيت بأن عددا كبيرا من أجدادنا الأمازيغ أقاموا لسنوات بجوار المسجد الأقصى يتبركون به ويستزيدون من العلم في جنباته (مثل العلامة العبدري الحيحي) . وهل نسيت أن الأسطول الموحدي ( نعم الدولة الموحدية التي أسسها المهدي بن تومرت الأمازيغي) شارك في تحرير القدس أيام صلاح الدين الأيوبي . إن تجاهل الوقائع لا يعني عدم صحتها. (4)يقول ذ عصيد : إن مفهوم ( التطبيع ) لا ينطبق بالنسبة للأمازيغيين على العلاقات الإنسانية بل هو شأن الدول والأنظمة. ففضلا عن التساؤل حول من له شرعية الحديث باسم الأمازيغيين، لي على هذا التحديد للتطبيع عدد من الملاحظات : - إن القول بأن التطبيع على المستوى الشعبي هو الذي سيؤدي إلى حل الصراع هو قول مردود عليه لأن جميع حركات التحرر في العالم تؤمن بأن الحصول على الحقوق هو الشرط الرئيس للتطبيع . وما يردده ذ. عصيد ليس سوى الوجه الآخر لمقولة تروجها إسرائيل لأنها بعد احتلال الأرض تسعى إلى احتلال العقول وكسر الحواجز النفسية بينها وبين ضحاياها الفلسطينيين ومسانديهم من أحرار العالم. - إن التطبيع وعلى عكس ما أورده السيد عصيد هو كل خطوة تسعى إلى ربط علاقات عادية وطبيعية مع إسرائيل دولة ومجتمعا مادامت على احتلالها للأراضي الفلسطينية . لماذا؟ لأن دولة (إسرائيل) تتميز عن كل دول العالم بجملة أمور : أولاها أنها دولة لها مشروع تعمل على تحقيقه وهو إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ، أي أنها تسعى إلى احتلال مزيد من أراضي الغير وإبادة مزيد من الشعوب . ثانيها أنها دولة تقوم على الاستعمار الاستيطاني الإحلالي وهو أعلى أنواع الاستعمار لأنه يقوم على إبادة شعب بكامله و إحلال شعب آخر محله يؤتى به من أقاصي الدنيا. ثالثا إن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري ، الجميع فيه مسلح، حتى إن كاتبا إسرائيليا كتب ذات مرة قائلا: كل شعب له جيش إلا في إسرائيل فهناك جيش له شعب. رابعها : لا مجال للتفرقة بين الدولة والمجتمع في إسرائيل لان مظلة الجيش يستظل بها الجميع و لأن الجيش هو العمود الفقري لهذا الكيان. خامسا : إسرائيل تسمح لأي يهودي في أي مكان من العالم أن يلتحق بإسرائيل ويتمتع بحقوقه كاملة ، غير أنها في ذات الوقت حكمت بالنفي الأبدي على مصير أربعة ملايين ونصف مليون لاجئ فلسطيني منذ سنة 1948 إلى يومنا هذا . وانطلاقا من أنه لا مجال للتفرقة بين الدولة والمجتمع في إسرائيل يصبح قول ذ عصيد العلاقات بين الامازيغيين واليهود المغاربة من أصل امازيغي لا سبيل إلى إيقافها أو عرقلتها بأية حجة كانت. يصبح هذا القول مردودا عليه. لأن اليهودي الذي هاجر إلى إسرائيل يتحول من مجرد يهودي عادي إلى يهودي صهيوني يحتل أرضا ليست له. والموقف تجاهه يجب أن يكون موقفا مبدئيا لا تؤثر فيه اعتبارات العرق والنسب وإلا فمن الجائز خ إذا أخذنا بمنطق ذ عصيد - أن يقوم أي عربي من أية دولة عربية بربط علاقات إنسانية مع اليهود الصهاينة من أصول عربية. والسؤال الجوهري الذي يجب أن يطرحه ذ. عصيد هو : ما موقف اليهود المغاربة المقيمين في اسرائيل من المشروع الصهيوني الاستيطاني ؟ ما صلتهم بالحكومة الإسرائيلية الإرهابية ؟ ما علاقتهم بالموساد الإسرائيلي وجرائمه في كل أنحاء العالم؟ ما هو مستوى تأثيرهم في صنع القرار داخل الدولة الإرهابية؟ وهي قضايا وجدنا عددا من اليهود المغاربة هنا يقفون ضدها مثلما شهدنا مؤخرا سيومن أسيدون في تصريح له نشرته التجديد تعليقا له على مشاركة وزير الدفاع عمير بيريتس في الايام اليهودية المغربية بباريس. (5)حاول ذ عصيد في مقاله سالف الذكر أن يجد تبريرات غير مقنعة للزيارة التي قامت بها فعاليات من الحركة الأمازيغية إلى الكيان الصهيوني، وتحاشى الرد الواضح على التساؤلات المقلقة بخصوص تسارع وتيرة المحاولات الصهيونية الجارية لاختطاف ( الأمازيغية). والحال أنه لا يمثل إلا نفسه، وما ورد في مقاله هو مجرد آراء شخصية له يحاول أن ينسبها قسرا إلى الحركة الأمازيغية التي هي كباقي الحركات الاجتماعية فيها المعتدلون وفيها المتطرفون، فيها العقلاء وفيها المغامرون، فيها المتسامحون وفيها المتشددون، فيها المتصهينون وفيها الوطنيون الشرفاء . أخيرا مني ألف تحية لليهود المغاربة الذين رفضوا الهجرة إلى اسرائيل وبقوا في البلد الذي عاشوا فيه لعشرات القرون، رافضين بعزم وإصرار أن يكونوا أدوات في يد الصهيونية العالمية .