من المفاهيم الحاضنة للتفكير الوسطي مفهوم الزوجية.إن البحث العلمي اليوم، يؤكدان أن الخالق سبحانه قد خلق الكون و ما فيه من مخلوقات حية أو غير حية وفق مبدأ الزوجية و ليس وفق مبدأ الفردية. و وفق نظام رياضي رباني محكم. غايته المباشرة ضمان تدفق طاقة الحياة والنشاط و البقاء عند كل مخلوق.قال تعالى:(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون)(49) الداريات فنشاط الذرة و ضمان تناسل الطاقة الذاتي فيها يفرض حتماً وجود زوجين و نظام ذاتي محكم . و الزوجان فيها هما القطب الموجب(+) من البروتون و القطب السالب(ـ) من الإلكترون ، فهما شرطان لحركة الذرة و ضمان تدفق الطاقة الذرية في أحشائها باعتبارها طاقتها الحيوية . و مبدأ الزوجية يعني وجود طرفين أو أكثر يشتركان أو يشتركون في كل شيء ، فلا حياة أو نشاط للقطب الموجب بدون رابطة له مع القطب السالب في الذرة و لا طاقة ذرية بدون هذا الزوج و بدون نظام صارم لنشاط هذا الزوج أو هذين القطبين . و مبدأ الزوجية الذي يحكم نظام الذرة و هي من أصغر المخلوقات يحكم أيضاً نظام المجرة و هي من أكبر المخلوقات المحسوسة . فدوران الشمس بنظام حول (الثقب السود) أو مركز المجرة، ما كان ليحدث لولا وجود زوجين أو قطبين من الطاقة : قطب الجذب في المركز و قطب الطرد في جسم الشمس . و نفس الحال ينطبق على دوران الأرض بنظام حول الشمس لوجود زوجين من القوة : قوة الجذب الشمسية و قوة الطرد الأرضية. وإنِ انتقلنا من عالم المادة النشطة غير الحية إلى عالم المادة الحية سيتأكد لنا أن استمرارية الأنواع الحية ونشاطها يشترط مبدأ الزوجية من ذكر و أنثى. سواء في عالم النبات أو عالم الحيوان أو عالم الإنسان . قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُون)(36) يس. و سأتخذ الأسرة البشرية مثالاً للتفسير: فخلية الأسرة الراشدة تشترط أيضاً حضور مبدأ الزوجية أي حضور قطب سالب(ـ) وآخر موجب(+) أي حضور المرأة والرجل و بينهما رابطة شرطية لضمان النظام اللازم لتدفق الحياة و النشاط في هذه الخلية و في باقي خلايا المجتمع البشري. و الأسرة في الغرب اليوم تسير نحو تدمير مبدأ الزوجية الطبيعي ، فهي أسرة قائمة على مبدأ الفردية ، تتكون من قطب واحد بموجبين (رجل يعايش رجل)، أو قطب واحد بسالبين (امرأة تعايش امرأة) . فهل يمكن أن نتصور من الناحية العلمية و العملية وجود نشاط للذرة أو المجرة بين موجبين أو سالبين ؟ بالتأكيد لا . و الأمر عينه ينطبق على الأسرة المثلية أو أسرة الجنس الواحد. إن التخلص من مبدأ الفردية الباطل و اعتناق مبدأ الزوجية الحق سيساعد على ترشيد السلوك الأسري عند الغربيين وبعض من توابعهم من الحداثيين في بلاد الإسلام و في العالم. و يخرجهم من التصور والتفكير البدائي للنظام الأسري . فتصحيح المفهوم وإصلاحه في الذهن يساعد على تصحيح الممارسة والسلوك وإصلاحهما في الواقع الحي. فالمفهوم الأعمى ينتج ممارسة عمياء بالتأكيد . والإيمان بمبدأ الزوجية في الخلق و في الأسرة والكفر بمبدأ الفردية يفضي بنا تلقائياً إلى الكفر بمبدأ فلسفي غربي آخر ألا و هو مبدأ ( الاستقلالية التامة ) في ذات الفرد، سواء كان هذا الفرد امرأة أو رجلاً في نظام الأسرة . إن الفردية المطلقة أيديولوجيا و ليست حقيقة علمية. والاستقلالية المطلقة أيضاً أيديولوجيا غربية و ليست حقيقة علمية. فمبدأ الزوجية القرآني و العلمي يفضي بلا ريب إلى الإيمان بمبدأ التبعية المتبادلة بين أطراف الزوج الواحد. فنشاط القطب السالب في الذرة والمجرة والأسرة محال في غياب القطب الموجب في هذه المخلوقات الثلاث. فالمرأة في تبعية للرجل و الرجل في تبعية للمرأة . إنها التبعية المتبادلة و ليست الاستقلالية الشخصية المتبادلة، و علينا اعتبار هذا في مواقفنا و تصرفاتنا، إن أردنا قولاً و فعلاً بناء نظام أسري بميزان محكم تتدفق في مسالكه طاقة و نشاط وحياة ذات معنى و غاية.بدل آفة الشيخوخة الديمغرافية التي تجتاح الغرب اليوم. والاعتقاد بمبدأ التبعية المتبادلة بين الزوجين من رجل و امرأة يضع شعار أو مفهوم المساواة بين الجنسين بمضمونه الغربي في قفص الاتهام ! هل هي مساواة عادلة للطرفين حقاً أم هي ظلم حقيقي للنظام الأسري ظلم للمرأة و الرجل معاً ؟ و هل من مصطلح آخر يعوض مصطلح المساواة الغربي و يعبر عن العدل التام في العلاقات بين الرجل والمرأة ؟ أقصد في قولي و أقول إن المساواة الحق مثلاً بين الجنسين اللذين تحكمهما سنة الزوجية و سنة التبعية المتبادلة و ليست الاستقلالية المتبادلة يعبر عنها مبدأ أو شعار التكافؤ أو التعادل équivalence أو العدل بالمصطلح الإسلامي وليس المساواة égalité. فالمساواة في نظام الأسرة تعبير حقوقي عن مبدأ الفردية والاستقلالية، وشعار التعادل تعبير عن مبدأ الزوجية والتبعية المتبادلة بين الرجل والمرأة في نظام الأسرة. فمبدأ التعادل يفضي إلى الحديث عن المعادل، فنقول هذا الحق عند الرجل معادله équivalence كذا عند المرأة و العكس صحيح . فنحن أمام معادلة حقوقية . و في المعادلة فإن الأطراف تتباين من حيث الشكل والمبنى وتتساوى بالتمام من حيث المضمون و المعنى . على سبيل المثال الرجل يرث عن أبويه ضعف ميراث المرأة في التركة الجينية للنوع. يرث صفة الذكورة و صفة الأنوثة (x+y) و المرأة لا ترث إلا نصفها أي صفة الأنوثة (x) فقط. فلو افترضنا من باب الخيال أن الدول استجابت لهذا المطلب النسواني المساواتي المتهور وأمرت علماءها بتغيير نظام الكروموزومات بحيث يسمح للمرأة بأن ترث نصف التركة من كروموزومات الذكورة و الأنوثة معاً، فإن النتيجة المرعبة لهذا المطلب ستكون انقراض النوع البشري كما انقرض الديناصورات مند زمان .و نفس الأمر ينطبق على حصص الميراث في الأموال.لأن مفهوم الزوجية مقرون بمفهوم التبعية المتبادلة. فيصبح للمرأة نصيب من ميراث الرجل في صورة نفقات زوجية تجب عليه و لا تجب عليها فيحدث التوازن و العدل و المساواة الحق لا المساواة المزيفة.