إلى أي حد ساهمت مدونة الأسرة في التخفيف من حدة بعض المعضلات الاجتماعية، كظاهرة الطلاق على سبيل المثال؟ ظاهرة الطلاق لا زالت مستفحلة بشكل كبير جدا وخاصة في بعض المدن الكبرى مثل الدارالبيضاء، حيث نلاحظ أن التطليق بسبب الشقاق ساهم بشكل كبير في إضعاف العلاقة الزوجية، وفي الغالب لا تكون هناك المبررات التي يتقدم بها الزوج أو الزوجة في طلب الطلاق وجيهة، ولا يراعى فيها استقرار الأسرة، و في كثير من الحالات لا يكون النزاع مستحكما، ورغم ذلك تبث المحاكم في القبول بطلبات التطليق المتعلقة بالشقاق، وفي هذا مثال واضح على أن مدونة الأسرة بعد مرور أربع سنوات لم تساهم بشكل إيجابي في التخفيف من بعض الظواهر الاجتماعية، وذلك ناتج عن عدة أسباب، منها عدم احترام سرعة البث في الملفات، وعدم التقيد بالآجال التي حددتها المدونة لمعالجة العديد من القضايا، و كذا قلة الموارد البشرية. كما لم يتم أيضا تفعيل مسطرة إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية بشكل إيجابي، حيث أن هناك عراقيل في إرجاع الزوجة إلى بيت الزوجية، خاصة عندما يغادر الزوج محل الإرجاع ويسلم المفاتيح لرب الملك. ومن الظواهر أيضا ما يكون راجعا إلى عدم تفعيل بعض المؤسسات التابعة لمحكمة الأسرة، كالمساعدة الاجتماعية، ووجود الحكمين بدورهما عندما يتقمصان إما شخصية المدعي أو المدعى عليه، فلا يقومان بالدور المنوط بهما، وهناك مجموعة من المفاهيم الخاطئة عن المدونة تساهم في عرقلة الوصول إلى الهدف من مدونة الأسرة، ولهذا يجب مراجعة الكثير من المفاهيم عن طريق التوعية والتحسيس. كيف تفاعلت الأسرة المغربية والمجتمع مع الأمور الجديدة في مدونة الأسرة ؟ إذا أخذنا كمثال توثيق الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج لأنه من المقتضيات الجديدة التي جاء بها هذا النص، فإنه خلال السنة الأولى والثانية من تطبيق مدونة الأسرة و على المستوى الوطني لم يتم حسب إحصائيات وزارة العدل توثيق الأموال المكتسبة إلا لـ في 22 عقد مستقل، مما يعكس أن هناك صعوبات ثقافية واجتماعية ونفسية أحيانا، فالكثير من الأزواج لا يتحدثان عن هذا الموضوع، رغم إخبارهم بأنه بإمكانهم أن يعقدوا عقدا أو وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، من أجل تدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزوجية. ومن بين المستجدات التي لم يتفاعل معها المجتمع بشكل إيجابي أيضا ما يتعلق بمسطرة ثبوت الزوجية، فالمدة التي حددها المشرع للذين لم يوثقوا عقود زواجهم بالإسراع إلى توثيقها، قد قاربت على الانتهاء، وهذا يطرح إشكالا كبيرا، مع أن الكثير من المواطنين في المناطق النائية لا زالوا لم يوثقوا بعد زواجهم، فهناك إشكال واقعي فيما يتعلق بمسطرة ثبوت الزوجية. كذلك ليس هناك مؤسسات المساعدة للقضاء كالمساعدات الاجتماعية وتضخم القضايا، مما جعل القضاء يصعب عليه تطبيق روح مدونة الأسرة التي تهدف إلى استقرار الأسرة، وبالتالي يمكن القول أنه في بعض الأحيان يتقدم أشخاص بمسطرة تبوث الزوجية، وذلك من أجل توثيق علاقات غير شرعية. هناك إذن ثغرات قانونية وفراغات تشريعية في مدونة الأسرة، وأي تعديل مقبل يجب الانتباه فيه إلى هذه النصوص، التي ربما تكون فضفاضة، ومن خلالها تتسلل مجموعة من المظاهر السلبية للمجتمع. لذلك ينبغي أن تكون دراسة مجتمعية شاملة يساهم فيها متخصصون والمجتمع المدني والجمعيات المهتمة بقضايا المرأة، من أجل الوصول إلى سد هذه الثغرات خاصة، ومتابعة العمل القضائي المغربي في قضايا الأسرة. وللأسف ففيما يتعلق بالطلاق فإن المشرع المغربي جعل أحكامه غير قابلة للطعن، وبالتالي سد على المجلس الأعلى الاجتهادات القضائية، التي يمكن أحيانا أن تساهم في تدبير هذه الثغرات القانونية والفراغات التشريعية، ولكنه أغلق الباب أمام درجات التقاضي. هل يمكن أن نتحدث عن تعديل آخر لمدونة الأسرة في إطار الإشكاليات المستجدة؟ لا أقول تعديلا، بقدر ما أعتبره مراجعة لبعض النصوص وتعديلها بشكل يضمن استقرار الأسرة بشكل أوسع، وإن كنت أعتقد أن القاعدة القانونية مرتبطة بالقاعدة الدينية والأخلاقية بالدرجة الأولى، فالجانب القانوني هو جانب وحيد، وهناك عناصر أخرى تتدخل في قضية الأسرة منها ما يتعلق بالجانب الأخلاقي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وهذا يعني بأنه يجب أن تكون هناك عدة شراكات بالإضافة إلى النص القانوني. كما أصبحت الحاجة ملحة لقضاء أسري مستقل لحل مشاكل تضخم قضايا الأسرة وتشعبها أمام المحاكم، وهذا في اعتقادي سيساهم في معالجة المشاكل المتعلقة بعدة قضايا، ومن ضمنها تطبيق الأحكام الصادرة في مجال النفقة.