صوت البرلمان التركي لصالح تعديل دستوري يرفع الحظر عن الحجاب في الجامعات، وجاء التعديل مبنيا على قاعدة حقوقية تقر مبدأ عدم حرمان أحد من حقه في التعليم العالي. المشكلة أن التعديل أثار احتجاجات في الأوساط العلمانية التي ترى أنه ينسف الأسس العلمانية لتركيا، ذلك أنها تخشى من أن يكون هذا التعديل الدستوري مدخلا إلى تشجيع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة الأخرى مثل الإدارات العامة والمدارس، وهو الأمر الذي ليس مسموحا به في تركيا العلمانية إلى اليوم . الجديد في الموضوع أن التعديل لم يكن وراءه فقط حزب العدالة والتنمية الذي يتمتع بأغلبية تفوق بثلثي مقاعد البرلمان، وإنما تم دعم موقفه من طرف الحزب القومي، إذ تم التصويت لصالح التعديل ب 404 صوت مقابل 92 صوتا معارضا. نسبة التصويت كانت توافق تماما ما خرجت به استطلاعات الرأي التي تناولت هذه الحيثية في تركيا إذ أن 80 في المئة من الأتراك مع حق النساء في ارتداء الحجاب ليس في الجامعات فقط وإنما في الإدارات العمومية أيضا، خلافا للطابوهات العلمانية غير الديمقراطية التي فرضت بقوة الجيش. الغريب أن الأوساط العلمانية في تركيا لا تنظر إلى مسألة ارتداء الحجاب باعتبارها تدخل في صلب الحريات الفردية التي تكفلها كل المواثيق الدولية، فالتعليم للجميع حق من حقوق الإنسان تكفله المواثيق الدولية، لكن الأوساط العلمانية في تركيا تؤمن بمنطق الاستثناء، ولا ترى للمحجبات حق التعليم في الجامعات. ما وقع في تركيا يعيد طرح سؤال العلاقة بين العلمانية والديمقراطية، وسؤال العلاقة بين العلمانية وحقوق الإنسان، ذلك أن النموذج التركي يعطي الانطباع بأن العلمانية تتبنى مفهوما خاصا للحريات الفردية يستثني مجموعة من الحقوق الأساسية بحجة تهديد أسس العلمانية كما هو النموذج أيضا في فرنسا، وتعطي لنفسها حق الخروج عن قواعد الاجتماع الديمقراطي من خلال الاستعانة بالجيش للحسم في هذه القضايا. ولعل الطريقة التي سيتعامل بها العلمانيون في تركيا للتعبير عن موقفهم من التعديل الدستوري الذي حصل بشكل ديمقراطي ستكشف أكثر المشاعر التي يكنونها للديمقراطية. القواعد الديمقراطية المعمول بها تسمح بالاحتجاج السلمي ضد التعديل الدستوري وتسمح أيضا برفع القضية إلى المحكمة الدستورية، لكنها قطعا لا تبيح الاستعانة بالجيش ضدا على العمران الديمقراطي الذي تأسس. التعديل تم بشكل ديمقراطي يحترم كل القواعد الديمقراطية، بل تم بما يشبه الأغلبية داخل البرلمان، وهو قبل ذلك مدعوم ومسنود بمبادئ حقوق الإنسان التي لا تميز بين بني الإنسان في التمتع بحق التعليم، لكن المشكلة أن الأوساط العلمانية في تركيا لها رأي آخر يخالف تماما القواعد الديمقراطية ويخالف كل المبادئ التي استقرت في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.