ارتبط النجاح في امتحان الحصول على رخصة السياقة بالرشوة التي باتت أمرا مألوفا لدى بعض المواطنين، وأضحى النجاح في الامتحان النظري والتطبيقي رهين بدفع مبلغ مالي إضافي بحيث أن عدد الحاصلين على الرخصة بدون دفع الرشوة في مختلف مدارس السياقة لا يتعدى عدد رؤوس الأصابع، من ثمة يتساءل المواطن عن الذي يقف وراء هذه الوضعية التي تشكل نقطة سوداء في عالم السياقة، والذي أصبح يخلف العديد من الضحايا في بلد يعرف حرب الطرق، والمهنيون أيضا يقرون بتفشي الرشوة في القطاع ويدعون إلى تفعيل نظام جديد يصطلح إليه سيبير كود. نقطة سوداء حصل حميد على إجازة لمدة أسبوعين للتفرغ لاجتياز امتحان الحصول على رخصة السياقة، فالأمر بالنسبة إليه سهل المنال على اعتبار أنه يقود سيارة أخيه أحيانا، وقد اقتنى كتاب وقرص مدمج يتضمن معلومات عن السياقة، لمعرفة مختلف الأسئلة والأجوبة الممكن أن تطرح عليه إبان الامتحان، كل شيء واضح أمام حسن ليجتاز هذه الخطوة، ورغم أنه يسمع بالرشوة المستشرية بمدارس السياقة، إلا أنه لا يفكر بتاتا في هذا المسلك. اجتاز حسن الامتحان النظري بنجاح، ولكن تفاجأ في المرحلة الثانية بإخفاقه رغم أنه لم يرتكب أي خطأ يذكر، وتكرر السيناريو بعد أسبوعين، ليقتنع في الأخير أنه لا مناص من دفع الرشوة... مثال واضح على شر يطرح أمام آلاف المواطنين في محطة الحصول على رخصة السياقة. وتزخر مدارس السياقة بكم هائل من القصص ، في ظل الرشوة المستشرية في دواليب هذه المؤسسات التي بدل أن تساهم في تكوين الأفراد وفق منهجية واضحة، تساهم في تقديم الرخص أو بالأحرى بيع الرخص. تقدت مريم الطالبة الجامعية لاجتياز امتحان الحصول على رخصة السياقة، وقال لها صاحب مدرسة السياقة أن المبلغ الكلي لاجتيازه يبلغ 2000 درهم، منها 1500 درهم تكاليف الرخصة ، و500 درهم لفائدة صاحب المدرسة والمكلفين بالسهر على الامتحان، دخلت مريم إلى الامتحان النظري ولم تلبث أكثر من دقيقتين حتى مر كل شيء على ما يرام، ولم يختلف الامتحان النظري كثيرا على سابقه. ولقد اقترن الحصول على رخصة السياقة بدفع الرشوة، إذ أعرب العديد من المواطنين على أن أصحاب مدارس تعليم السياقة والمكونين والساهرين على الامتحان يدخلون في خانة المتهمين الرئيسيين. النظام القديم الجديد أوضحت مريم أنها لم تولي اهتماما للتكوين الذي يستفيد منه المرشحون لاجتياز الامتحان، على اعتبار أنها قد دفعت رشوة تغنيها عن بذل مجهود للحصول على الرخصة بكفاءة ومصداقية. وعن السبب وراء سلوكها هذا أوضحت مريم أن هذا الأمر بات مألوفا ولا مفر منه في خضم غياب أية إجراءات رادعة للواقفين وراء هذه الوضعية. جاء النظام الجديد بغية تحقيق العديد من الأهداف من قبيل الحد من الرشوة، والوصول إلى مستوى مهني وكفاءة في منهجية التكوين، إلا أن المعطيات والوقائع تؤكد فشل جل الأهداف على اعتبار نسبة الرشوة التي بدأت تتفاقم، بحيث أن طريقة اجتياز الامتحان النظري الذي اعتمد على وجود شاشة كبيرة، أمام المترشحين، بحيث يحمل كل واحد منهم جهاز التحكم عن بعد، ويتم عرض الأسئلة على الشاشة مرفوقة بأجوبة اختيارية تحمل رقمي 1 و2 أو ثلاثة أرقام، ليضغط المترشح على الرقم الذي يحمل الجواب الصحيح، إلا أن هذه الخطوة لا تخلو من طرائف، إذ أعرب أحد المرشحين أن دافعي الرشوة يصطفون في جهة، وكلما عرض سؤال، يقدم المكلف بالامتحان الجواب الصحيح بإشارة من يده، وأكد المصدر ذاته أن الامتحان التطبيقي يعرف كذلك العديد من الممارسات التي يمكن تصنيفها داخل دائرة الفساد التي غزى مختلف مراحل عملية الحصول على رخصة السياقة. تدخل بشري رحب المهنيون بتطبيق نظام المكننة أثناء إجراء امتحانات الحصول على رخصة السياقة من أجل الحد من التدخل البشري في الموضوع والمرتبط غالبا بتقديم الرشاوى المحسوبية والزبوينة، غير أن اعتماد الحواسيب لم يحد من ذلك بل أدى ذلك إلى استفحال الرشوة بشكل كبير في العديد من المناطق لا نعدام المراقبة كما يقول المختار عوان، مدير مؤسسة سيارة التعليم بقصبة تادلة.. ليس العيب في النظام المعتمد، يقول عوان، ولكن في المشرفين على نظام الامتحان والذين يحدثون ثغرات تمكنكهم من تفكيك نظامه ومعرفة الطرق التي من خلالها يمكنهم تحصيل رشاوى. تشديد الرقابة بإقليم بني ملال جعل بعض المرشحين الذي لا ينجحون في الامتحانات التطبيقية يلجؤون إلى مدن صغيرة حيث ضعف المراقبة للحصول على رخصة السياقة مثل ميسور وميدلت، على حد قول عوان، بل منهم من يلجأ إلى مدينة العيون لأجل ذلك. هذا الواقع جعل المهنيين يطالبون بحضورهم كملاحظين في الامتحانات لعل حضورهم يحرج المشرف على الامتحان لعله ويضيق عليه الخناق. وحول ما إذا كانت بعض المؤسسات تلعب دور الوسيط في الرشاوى، يقول المختار طبعا لا يمكن للمرشح أن يفعل ذلك لأن المشرف على الامتحان لا يثق فيه، بل دائما تكون المؤسسة هي الوسيط إلا ناذرا. ليس العيب في القانون بل العيب دائما في تمكن الإنسان من الآليات التي يخرق بها هذه القوانين، وفي غياب الضمير المهني وتطبيق القانون فإن الحصول على رخصة السياقة تصبح متاحة أمام الجميع يقول عوان. وساطة الحواسيب لا تعمل وحدها بل لا بد من الإنسان، هذا الأخير منه من يساهم مع الأسف في تخريج مرشحين مشروع قتلة، يقدمون الرشاوى من أجل رخصة السياقة في غياب الضمير الإنساني، هذا كان رد مولاي عمر السباعي، رئيس الجامعة الوطنية لأرباب سيارات التعليم، في تصريح لـالتجديد. ويرى السباعي أن نسبة النجاح تقلصت مقارنة مع الماضي بنسة 20 في المئة ، مما يجعل الراسبين يتوجهون إلى بعض المراكز الصغرى التي تستفحل فيها الرشاوى من أجل الحصول على رخصة السياقة، غير أن تنبيه المسؤولين لهذا المشكل جعل بعض المراكز لا تقبل كل مرشح لم تمر على بطاقة تعريفه الجديدة ستة أشهر وإلا فهو مطالب بإحضار شهادة العمل أو فاتورة الماء والكهرباء من أجل التأكد من أنه يقطن بنفس المدينة. وبدوره ينتظر رئيس الجامعة الوطنية لأرباب سيارات التعليم اعتماد نظام سيبير كود من أجل الحد من ظاهرة الرشوة والمحسوبية والزبونية وبعض مدارس السياقة تعمل كوسيط في عملية الرشوة التي تأتي على كل قواعد امتحان رخصة السياقة ودخولها في نفق الربح السريع على حساب المصداقية، ويدخل على الخط الساهرون على الامتحانات الذي لا يهمهم إلا المبالغ المالية المجنية من وراء كل مرشح، بيد أن هذا الأخير يعتبر الطرف الثالث في العملية لأنه بدل أن يبذل مجهودا سواء في الجانب النظري أو التطبيقي خلال أطوار الامتحان، يلجأ إلى أقصر الطرق للحصول على رخصة فقدت مصداقيتها في خضم مظاهر الفساد التي عمت جميع المؤسسات المتدخلة في العملية. وإقرار المهنيين بتفشي الرشوة واستفالحها يجعل الوزارة الوصية أمام مشاكل لا حصر لها من أجل الحرص على الكفاءة والاستحقاق في التمكن من رخصة السياقة لمستعملي اطريق، ومادام الفساد مستشري، فإن عدد الضحايا يرتفع فترمل نساء وتزداد لائحة المعطوبين والمعاقين. ولمعرفة رأي الوزارة الوصية في الموضوع حتى نكون موضعيين أكثر في تناولنا اتصلت التجديد بأحد المسؤولين الملمين جيدا بالملف غير أنه اعتذر وطلبمنا الاتصال بقسم الاتصال الذي ظل الهاتف يرن دون جواب.