يوماً إثر آخر تتكشف الألعاب الخطيرة للثنائي بارزاني وطالباني، والذي يسيطر على الشمال العراقي، وهي الألعاب التي لم تتوقف منذ سقوط العراق بيد الاحتلال، ذلك الذي ساهم فيه الرجلان بشكل فاعل، على نحو ما فعل تحالف الشمال في أفغانستان، فيما كان الدور التالي أكثر خطورة في سياق تثبيت أقدام الاحتلال وتعبيد الطرق أمامه لتسهيل مهمته في صياغة وضع مستقر لصالحه في العراق، عبر استهداف كل القوى التي تقف في وجه ذلك. الآن ينكشف فصل جديد من ألعاب برزاني وطالباني، وهذه المرة لحساب الدولة العبرية التي فتح لها الرجلان مناطقهما بالطول والعرض تستخدمهما ومن فيهما لحياكة وتنفيذ مؤامرات لا يمكن إلا أن تكون معدة لاستهداف المصالح العراقية والعربية والإسلامية (إيران، تركيا). حسب التقرير الذي نشرته مجلة "نيويوركر" وكان من إعداد الصحفي الشهير سيمور هيرش، فإن مسؤولين في الاستخبارات الإسرائيلية وعسكريين يعملون في كردستان على تدريب أعداد كبيرة من المليشيا الكردية، ويشاركون في عمليات سرية في مناطق داخل إيران وتركيا وسوريا، وكذلك داخل العراق، إلى جانب نشاطات لصالح الموساد تحت غطاء الأعمال التجارية، ومن خلال عملاء يحملون جوازات سفر أجنبية. حسب هيرش، فإن ما دفع تل أبيب نحو تصعيد نشاطها في الشمال العراقي هو توصلها نهاية العام الماضي إلى قناعة مفادها أن "إدارة بوش لن تكون قادرة على إحلال الاستقرار والديمقراطية في العراق، وأن إسرائيل قد غدت في حاجة إلى خيارات أخرى" من أجل تقليل الأخطار التي تلحق بموقفها الاستراتيجي جراء ما يجري وما يمكن أن يجري في المنطقة. ومما نقله هيرش في التقرير قول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق باراك لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني إن "إسرائيل قد تعلمت بأن ما من طريقة يستطيع بها المرء أن يربح احتلالاً. مضيفاً بأن ما سيتبقى للأمريكيين هو "اختيار حجم الإذلال الذي سيخرجون به". في الرد على ذلك يبدو أن أنقرة قد بدأت تحس بما يجري قرب حدودها، سيما وهي تدرك أن الدولة العبرية كانت دائماً هناك، لكن القيادة التركية اضطرت إلى الاستماع إلى النفي الإسرائيلي، ولكن بحذر شديد، فيما لإيران أيضاً حساباتها، وهي التي تدرك أن تل أبيب ترى فيها الخطر الأكبر عليها بسعيها إلى امتلاك القدرات النووية، إلى جانب قدرتها على ضبط الإيقاع الشيعي في العراق والمنطقة عموماً ، بما في ذلك لبنان. لكن ذلك لا يجب أن يلفت الانتباه عن النشاطات الأخرى المتعلقة باستهداف المقاومة عبر اختراقها أو حرف مساراتها أو القيام بعمليات إشكالية تبث الفتنة بين العراقيين، وهي نشاطات من الصعب القول إنها لم تبدأ في ظل أسئلة متداولة حول كثير مما يجري في العراق، ولا يملك أحد إجابات مقنعة عليها. في كل الأحوال فإن اللعبة الإسرائيلية في شمال العراق لا يمكن أن تصب في صالح العرب ولا المسلمين، سيما وأن قيادات الأكراد لا تبدو في وارد تعلم الدروس من المغامرات الكثيرة التي خاضتها على حساب الدم الكردي والمصالح الكردية. قد يتوهم قادة الأكراد أن المدخل الإسرائيلي قد يحقق لهم الكثير من المزايا عند الأمريكان، لكن المغامرة هنا لن تكون مأمونة، فمن يعادي العراقيين جميعاً، ومعهم الوضع العربي والإسلامي لا يمكن أن يربح المعركة على المدى المتوسط، فضلاً عن البعيد. يحدث ذلك فيما تتواصل المؤامرة الرامية إلى "تكريد" كركوك والعبث بمناطق الشمال العربي بدعوى أنها كردية جرى تغيير هويتها من قبل صدام حسين، الأمر الذي يبقي أبواب الانفصال مفتوحة على مصراعيها، وهو خيار ربما كان مغرياً بالنسبة للبعض لكنه سيكون مكلفاً إلى حد كبير. في الرد على ذلك يبدو أن على الوضع العربي الرسمي والشعبي أن يجد له سبيلاً للتواصل مع الشارع الكردي المطحون بمغامرات طالباني وبرزاني، والذي أخذ يكتشف حجم ما يعيشه من أوضاع مزرية تحت حكمهما، سيما بعد أن أخذ يتخلص بالتدريج من كوابيس الوضع السابق ويفتح عيونه على الحاضر وكذلك على تاريخ أخذت تتكشف فصوله وينطوي على مغامرات وتحالفات حملت الكثير من المصائب للأكراد. في الرد على ذلك كله يمكن القول إنه لم يعد من الصعب على القوى العربية والإسلامية أن تجد لها سبيلاً إلى الشعب الكردي المسلم، وذلك في سياق تواصل يستنفر الروح الإسلامية في ذلك الشعب، في ذات الوقت الذي يفتح فيه عيونه على حقيقة المغامرات التي تجري باسمه، والتي يمكن أن تعيده إلى الأيام السوداء من جديد. لقد آن أن تتحرك الأمة نحو جزء منها طالما فرقه عنها خطاب يحمل الكثير من الزهو القومي، وهو أمر لم يكن له أن يحقق النجاح، وإلا فأي عقل يصدق أن كردياً يمكن أن يكون قومياً عربياً على الطريقة الاشتراكية أو اليسارية، وليس وفق القاسم المشترك الذي يجمع الكردي بالعربي ممثلاً في الإسلام؟! لا شك أن المهمة ليست سهلة، لكن العقد الكردية تجاه العرب ستبدأ بالذوبان شيئاً فشيئاً، سيما وأن جيلاً جديداً قد نشأ خلال العقد الماضي لم يدخل في معارك مع العرب، فيما تابع حكم العائلات لطالباني وبرزاني، والذي لا يختلف كثيراً عن الحكم التكريتي السابق في العراق، مع فارق أن المواقف الخارجية من صراعات الأمة لهذا الأخير كانت أفضل بكثير، وهي بالتحديد سبب استهدافه وليس دكتاتوريته وقمعه لشعبه، بمن فيهم الأكراد. ما نريد قوله هو أن ما يفعله حاكما الشمال الكردي هو مغامرة جديدة وخطيرة من الضروري أن يقف الجميع في مواجهتها، ليس من أجل المصالح العربية والإسلامية فقط، وإنما من أجل الشعب الكردي المسكين أيضاً. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني