أسفر آخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات الخاص بتدبير المباني التاريخية عن تسجيل مجموعة من الملاحظات تهم بالأساس عدم توفر الوزارة على استراتيجية وبرنامج عمل، إذ وبحسب التقرير، تعتمد الوزارة في استراتيجيتها على خطاب وزير الثقافة السابق محمد الأشعري لسنة 2002 بمناسبة اجتماع أجهزة التمويل والمانحين للأموال من أجل إعادة ترميم المدينة القديمة بفاس. وقد لاحظ المجلس في هذا الإطار عدم كفاية الخطاب، إذ لايمكن اعتباره وثيقة رسمية تترجم استراتيجية وأهداف وخطة عمل الوزارة في مجال حماية التراث الثقافي الوطني، لكونه لايحدد جداول زمنية لإنجاز الأهداف المسطرة، كما سجل المجلس أيضا غياب برنامج عمل دقيق ومعايير لتقييم المنجزات المحققة. وأشار التقرير إلى عدم كفاءة نظام تسيير المباني التاريخية والمواقع حيث يتم اتخاذ القرارات المتعلقة بترميم المباني التاريخية والمواقع على المستوى المركزي وهو ما يؤدي إلى إنجاز أعمال غير منسجمة مع بعضها البعض. واعتبر التقرير أن تدبير الوثائق العلمية تعاني إهمالا، بالرغم من أهميتها التاريخية ليس فقط بالنسبة للمستعملين ذوي الاختصاص، بل لذاكرة المغرب وللتراث الوطني، وعدّد مجموعة من المخاطر التي تتهدد هذا التراث كوضع الأرشيف داخل دواليب من الأخشاب غير معالجة ما يجعلها عرضة للقرضيات التي تقضي عليها، تداول الوثائق بين مجموعة من المستعملين ما يعجل بتلاشيها، عدم توفر أماكن التخزين على شروط الأمن اللازمة، مثل ما قد تتعرض له تلك الأماكن من حرائق أو رطوبة وكذا عدم ضبط خروج ودخول الوثائق، الأمر الذي يسهل عملية السرقة والضياع إضافة إلى عدم تحيين التصاميم إلا عند الحاجة لذلك، ودعا المجلس في هذا الصدد إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل الحفاظ على هذه الوثائق. وبخصوص الموارد البشرية المكلفة بقطاع التراث الثقافي على الصعيدين المركزي والجهوي، وقف المجلس على النقص الكبير الذي تعانيه، وضعف التأطير فضلا عن غياب مخطط التكوين المستمر كفيل بتحسين كفاءات الموظفين، وأوصى في السياق ذاته الوزارة، بدعم مفتشيات المباني التاريخية والمواقع على الصعيد الجهوي بالأطر الكفؤة من أجل من أجل القيام بمهامها على أحسن وجه. وكانت الموارد المخصصة لتدبير المباني التاريخية والمواقع قد عرفت تراجعا سواء تعلق الأمر بالميزانية العامة أو بالصندوق الخاص بالعمل الثقافي، إذ وصلت نسبة الانخفاض في الاعتمادات إلى 75 في المائة لسنة 2000 و23 في المائة لسنة 2004 وهو ما أثر بشكل سلبي على إمكانيات الوزارة للقيام بعمليات ترميم المباني التاريخية المهددة بالتلاشي والاندثار. وركز التقرير على غياب التنسيق بين المصالح المركزية والمصالح الخارجية فيما يتعلق بعمليات إعادة ترميم المباني التاريخية والمواقع، وذلك من خلال دراسة ميدانية خلصت إلى عدم توفر المؤهلات المختصة في التدبير الإداري والتقني في مجال ترميم المباني التاريخية والمواقع، ضعف في تتبع المشاريع المتعلقة بالترميم، غياب نظام لتوثيق الملفات المتعلقة بمشاريع الترميم، الإشهاد على كشوفات الحساب في غياب جداول الإنجاز وتأخير في إنجاز وتسوية التأخير بأوامر توقيف الأشغال. وكشفت وثائق خاصة بالمداخيل المتعلقة بزيارة المباني التاريخية إلى تراجعها تراجعا كبيرا ما بين 2001 و2002 حيث تراجعت من مبلغ 106,706,14 مليون درهم إلى مبلغ 105,090,11 مليون درهم سنة 2002 أي بانخفاض بنسبة 5,24 في المائة، متأثرة بما أصاب زيارة مآثر مراكش التي سجلت انخفاضا بنسبة 25 في المائة. وأوصى المجلس الوزارة بأن تنكب على وضع نظام فعال للمعلومات لتسهيل وتحسين جودة تبادل المعلومات بين المديرية والمفتشيات الجهوية، كما دعا الوزارة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة الضعف الحاصل في المردودية المتعلقة بحماية المباني التاريخية والمواقع، وذلك بدعم المصالح المختصة بالكفاءات اللازمة وأخذ المبادرة في عملية التسجيل والترتيب للمباني التاريخية، وتحيين سجل الجرد المركزي للمباني التاريخية والمواقع. وكان المجلس الأعلى للحسابات قد أشار إلى غياب المجلس الأعلى للثقافة الذي لم يعد إلا مرة واحدة سنة 1994 منذ إنشائه، وذلك على الرغم من أهمية تلك الهيئة التي تضم بين أعضائها مختلف المتدخلين والمعنيين بمجال التراث الثقافي.