لعل من المفاجآت الثقيلة التي رافقت مجيء ساركوزي إلى الرئاسة هي مواقفه من قضية الدين ودوره في الحياة العامة، مما جعل المتدينين باختلاف أديانهم يغادرون موقع المدافع إلى الهجوم، ودفع خصومهم إلى الانتقال إلى مرحلة الدفاع، ولعل النقاش الدائر عندنا يفرض الانتباه لما هو جار هناك مادام جزء من نخبتنا تتأثر بوصلته بشكل كبير بما يقع من تطورات في عاصمة الأنوار، ونعرض هنا لمجموع تصريحات ساركوزي سواء أثناء لقائه بقادة الفاتيكان أو في خطابه بالرياض، ففهي هذه الأخيرة صرح يوم 14 يناير الجاري من هنا وعلى امتداد 14 قرنًا انطلقت المسيرة الكبرى للروحانيين الطامحين والتي حملت عقيدتها إلى الجميع لتدخل إلى الإسلام العديد من الشعوب ولتولد حضارة هي من أكبر وأجمل الحضارات في العالم، مبرزا أنه مهما كانت الاختلافات بطريقة التقرب إلى الله، فإنه (أي الإسلام) لم يتوقف عن بث رسالته إلى الناس وهي رسالة النبل والحب والسلام والإخوة والتسامح والاحترام بل وذهب أبعد في الاعتراف بدور الإسلام، فالغرب حقق تقدمًا مع ميراثه الإغريقي بفضل الحضارة الإسلامية. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية بعد ذلك عن المتحدث باسم الإليزيه دافيد مارتينون أن ساركوزي أكد خلال تقديمه التهاني للسلطات الدينية تمسكه بعلمنة تمثل احترام جميع أنواع الإيمان وليس معركة ضد الديانات، مضيفا أنه إذا كانت الظروف التاريخية للانفصال بين الكنيسة والدولة مؤلمة لأنها تطلبت قطع الصلات المتعددة بالطوائف، فيجب ألا يشعر أحد اليوم بأنه مهان بسبب العلمنة، وأكد المتحدث أن الاعتراف بالشعور الديني كتعبير عن حرية الإيمان والاعتراف بالواقع الديني وكأنه واقع حضارة يشكلان جزءاً من عقدنا الجمهوري ومن هويتنا. وقبل ذلك كان لتصريحاته بالفاتيكان نهاية السنة الماضية وقع كبير دفع إلى إشهار قانون 1905 والخاص بفصل الدين عن الدولة في وجه الرئيس الفرنسي، والذي صرح في هذا العالم المهووس بتحقيق الرفاهية المادية، تحتاج فرنسا إلي الكاثوليكيين المؤمنين الذين لا يخشون من الجهر بانتمائهم الروحي ولا بقناعاتهم ومبرزا جذور فرنسا المسيحية أساسا ضمن ما اعتبره العلمانية الإيجابية، وهو ما اثر جدلا عمقه قوله أنه جاء إلي الكنيسة طلبا للتوبة أن الجمهورية العلمانية طالما أساءت تقدير أهمية التطلعات الروحية للإنسان، فالعلمانية ليس لديها السلطة التي تخوِّل لها عزل فرنسا عن جذورها المسيحية معلقا أنها حاولت ذلك، وما كان عليها أن تفعل ما فعلت، ومتوجها إلى رجال الكنيسة الكاثوليكية بالقول حيثما كنتم، في الضواحي، داخل المؤسسات، في أوساط الشباب، في إطار الحوار ما بين الأديان، وداخل الجامعات سأساندكم، وهو ما أدى بالماسونية الفرنسية بحسب ما أشارت يومية القدس العربي التي أوردت التصريحات إلى التظاهر بباريس دفاعا عن قانون 1905 ودعوة إلى عدم المس به.