الاختيار التنظيمي الذي لجأ إليه الإخوة في الجماعة الإسلامية ما بين سنة 1981 وسنة 1983 لم يكن في الحقيقة نابعا عن قناعة تصورية لها مبرراتها ومسوغاتها، وإنما كانت عبارة عن تسوية تنظيمية تسمح لأحد الأطراف أن يمارس قناعته دون أن يؤثر على التوجه العام للجماعة. فقد ثبت بالشواهد التاريخية أن اللجنة الوطنية التي كانت تقود العمل ماطلت كثيرا في السماح للرباط بممارسة العمل في إطار الشرعية، بل ووصل الأمر إلى تجميد نشاط عبد الإله بن كيران، لكنها ما لبثت أن خرجت وفي قرار رسمي صادر عن الجمع العام الاستثنائي بالسماح للرباط بتأسيس جمعية الجماعة الإسلامية، ليس من باب الاقتناع بهذا الاختيار التنظيمي والقناعة التصوية الجديدة، ولكن من باب خوض التجربة من أجل التقييم. واضح أن تلكأ الإخوة في موقفهم، وترددهم في السماح للرباط بذلك، كان يتأثر بالمحيط العام وبقوة التوجه الذي كان يريد الحفاظ على خط الشبيبة الإسلامية واختيارها التنظيمي، لكن الذي دفع الإخوة للاقتناع بهذا الحد الأدنى هو الاعتقالات التي طالت مجموع الإخوة بعد مظاهرة طنجة. المشكلة أن التجربة لم تخض، وأن التقييم لم يتم، وإنما دفعت اعتقالات مكناس إلى التسريع بتعميم التجربة على مجموع الوطن، وصار الرأي الذي كان يمثل الأقلية داخل الجماعة الإسلامية بوزن تنظيمي أكبر، وانفتح النقاش على مصراعيه لشرح أسس التوجه الجديد. هناك معطى آخر لا ينبغي أن نتجاوزه في هذا التحليل، ذلك أن معظم الأنظمة السياسية في العالم العربي كانت تعيش تحولات عميقة في منهجية اشتغالها، كما أن كل الحركات السياسية كانت تعيش نفس التحول. فثنائية السرية والعلنية، أو الثورية والإصلاحية، لم تكن فقط موضوع نقاش داخل الحركة الإسلامية، وإنما كانت إشكالية عامة تتناولها كل الحركات السياسية الموجودة وقتها، فقط ما كان يميز الحركة الإسلامية هي أنها كانت تعيش تجربة خاصة، تشابك فيها الانفصال عن القيادة بالانفصال عن التوجه، فبقيت تيار غالب يرى أن جوهر المشكلة في الشبيبة الإسلامية لم يكن هو الخط الفكري أو السياسي، وإنما هو الإشكال التنظيمي المتلخص في المسؤولية. مشكلة الجماعة الإسلامية أنها وهي تقرر الانفصال لم تقم بالتقييم الشامل لعلاقتها بالشبيبة الإسلامية، ولم تضع على مشرحة النقد والمراجعة توجهاتها وخطها السياسي، وإنما استصحبت كل ذلك، وظنت أنها بمفارقة مطيع يمكن أن تحل كل الإشكالات التي كانت محل نقد وملاحظة من طرف كل الذين انشقوا عن عبد الكريبم مطيع. لم يحصل تقييم حصيلة عمل الشبيبة افسلامية، ولم يقع أيضا تقييم تجربة جمعية الجماعة الإسلامية، بل لم تبدأ التجربة حتى تقيم، وإنما كان هذا هو الخيار الذي يخرج الجماعة من عنق الزجاجة. وفي المحصلة، كانت جمعية الجماعة الإسلامية المخرج لمأزق تنظيمي وسياسي بالنسبة للتوجه الغالب الذي كان يقود الجماعة وقتها، لكنه في نفس الوقت كان اختيارا فكريا وتنظيميا بالنسية لأفراد صنعوا جزءا من تاريخ الحركة الإسلامية.