تحدثنا طويلا في موضوع عوائق الكتابة التاريخية عن الخوف من التاريخ، وكيف يمسك البعض عن تقديم شهادته التاريخية، ويتحفظ البعض عن ذكر بعض التفاصيل المهمة، وكيف يمتنع البعض عن الحديث في بعض القضايا خوفا من التشويش على وضع تنظيمي قائم، أو على مسار حركي جار. حديثنا اليوم ليس عن هذا العائق، وإنما عن نوع آخر ربما كان خطره أكبر على تاريخ الحركة الإسلامية، إنه حديث عن الخوف على التاريخ كانت الفكرة في البدء أن نجمع رفقاء درب الأستاذ المروري رحمه الله، وأن نأخذ من كل واحد منهم جانبا من جوانب شخصيته مما لمسه أو عايشه في احتكاكه به، على أن يتم جمع المادة وتطويرها لترقى لمستوى شهادة تاريخية، وفي نفس الوقت عن إسهامه في الحركة الإسلامية سواء من خلال تجربة جماعة التبين أو من خلال مساعيه الوحدوية. كانت الفكرة تنطلق من ضرورة تسجيل الوقائع الخاصة بهذه النقاط، ووضعها أمام الدارسين لتقييم أفكار الرجل حول الحركة الإسلامية، ومنهجيته في بناء التنظيم، ورؤاه التأصيلية للعمل النسائي الإسلامي. كان القصد أن تسير الفكرة في هذا الاتجاه، فالرجل هو الذي نقل التبين من فكرة إلى تنظيم، وهو الذي لما بنى التنظيم أقنع أعضاءه بأنه مجرد محطة عابرة في مسيرة العمل الإسلامي، وأن مآل الجماعات الإسلامية هو الوحدة، وهو الذي أصل لفكرة عمل المرأة وكان سباقا داخل الدائرة الحركية الإسلامية للتأصيل للعديد من الأفكار في هذا الموضوع. رجل قام بكل هذه الأدوار في مسيرة العمل الإسلامي لا يستدعي فقط أن نجمع آراء وانطباعات وحتى شهادات من أشخاص عايشوا كسبه الحركي. إن رجلا بهذا الحجم يستدعي أن يقوم متخصصون برصد أفكاره وجمع مادته المكتوبة والمسموعة ووضعها في مشرحة التحليل. الخوف من التاريخ معناه في هذا السياق تدمير وثائق الحركة الإسلامية وأدبياتها وأفكار مؤسسيها، والاستسلام للإهمال الذي يوشك أن يأتي على كل الرصيد الذي قدمته الحركة الإسلامية عبر مؤسسيها وروادها. أسئلة كبرى تحتاج إلى نقاش في دراسة إسهامات عبد الرزاق المروري رحمه الله، لكن أهمها هو كيف استطاع هذا الرجل أن يتحرر من النمط الجاهز من التفكير السائد، وكيف تأصلت عنده فكرة التواصل وإقامة الجسور مع الذات والآخر، وكيف كانت فكرته ومنهجيته وتمثلاته لمسألة الوحدة. أسئلة تنتظر جهودا كبرى للدارسين والباحثين، لكن عذر هؤلاء أن الحركة الإسلامية لم تقدم لهم المستندات والوثائق والأدبيات التي عليها يشتغلون. الخوف على التاريخ من الضياع ربما يكون أخطر من الخوف من التاريخ، لأن الثاني يترك المادة التي يستطيع الباحث أن يدرسها ويكشف بياضاتها والنقاط المسكوت عنها، لكن ضياع التاريخ ليس له حل إلا موت الذاكرة.