تستقبلهم البلد بأحضانها، وتفتح لهم القاعات والمسارح أبوابها، وتسلط عليهم الأضواء، وتتهافت عليهم وسائل الإعلام، ويحتفى بهم بطريقة مبالغ فيها أحيانا. يدفع لهم بسخاء، ويقيمون بأفخم الفنادق ويعاملون بكثير من الاحترام، في الجانب الآخر، أبناء البلد من الفنانين الحقيقيين يقصون ويهمشون، بينما تكرم وفادتهم في الخارج، ويشهد لهم بالعطاء والتميز. هل نعاني في المغرب من عقدة الأجنبي؟ كان هذا هو التساؤل الذي طرحه الفنان المغربي محمد الغاوي في تصريح خص به التجديد عن التغييب الذي يطال الفنانين المغاربة مقابل الاحتفاء المبالغ فيه بكل ما هو أجنبي. وأكد أنه كان يظن أنه الوحيد الذي عندما يسأله الناس عن سر الغياب فيجيب بإحراج كبير أنه مغيب ولاتوجه له الدعوات، لكن اتضح له أنها ظاهرة عامة يعانيها الفنان المغربي الذي همش لحساب المغني الأجنبي، وقال في السياق ذاته عندما نستدعى إلى مهرجانات في الخارج، نجد استقبالا واحتفاء يشعرنا بأننا فنانون حقيقيون، وهذا ما نفتقده للأسف في بلدنا التي تدير ظهرها لنا. وعن المبالغ المالية التي ترصد للفنان المغربي وصفها بأنها هزيلة لاتتعدى 30 ألف درهم بالنسبة للأسماء المعروفة، مقارنة مع مايقدم للآخرين، جاء هذا على هامش ماراج بمناسبة سهرات السنة الميلادية الجديدة، إذ نشرت العديد من الصحف أن الفنان اللبناني وائل جسار أحيى حفلا بأحد فنادق مراكش مقابل 45 مليون سنتيم، وشاركه المغني الشعبي عبداللطيف طهور الذي تقاضى 5ملايين سنتيم. أما الفنانة اللبنانية دينا حايك والتي كانت قد غنت في الحلقة ماقبل الأخيرة من برنامج استوديو دوزيم مقابل 20 ألف دولار حسب ماتناقلته وسائل الإعلام، فقد أحيت حفلا بأحد فنادق العاصمة الاقتصادية. وكان المغني المغربي كريم التدلاوي قد أشار في تصريح لجريدة الشرق الأوسط السنة الماضية إلى أن المغرب كان محطة عبور إلى النجاح والشهرة لبعض الفنانين المشارقة، من بينهم المطرب اللبناني وائل جسار، إذ قال هذا المطرب الذي يتمتع بصوت جميل كان فنانا مبتدئا عند زيارته للمغرب للمرة الأولى قبل ست سنوات، ورغم ذلك خصصت له دعاية مكثفة، عبر ملصقات كبيرة في الشوارع ووصلات إعلانية في التلفزيون لأن الدعاية تؤدي دورا كبيرا في انبهار الجمهور بالفنان. وإذا كان المغرب يستورد هؤلاء المغنيين في حفلاته، فإنه في المقابل، يصدر أصواته إلى الخارج لانسداد الأفق أمامها هنا، ولأن المغرب لا يملك خبرة في صناعة النجوم على الأقل المحليين، حيث يزخر بالعديد من الأصوات الجيدة التي أضحت تفضل المشاركة في مسابقات للغناء خارج المغرب بعد أن رأت غياب أسماء كانت قد فازت بدورات سابقة من برامج للمسابقات كاستوديو دوزيم مثلا، الذي تصرف عليه الأموال الطائلة دون أن يحقق ما يرجى منه، وذلك في إبراز أصوات شابة ومساعدتها على شق طريقها في الميدان الفني، إذ لم يعد أحد يسمع عن جودية أو عمور أو عبدالعزيز الذي أخبرنا أحد الفنانين أسفا أنه وجده يغني بأحد كاباريهات عين الذياب بالدار البيضاء. استوديو دوزيم يكرس أيضا مبدأ إقصاء الفنان المغربي الذي عادة ما يكون حضوره محتشما، لا يشكل إلا نسبة مئوية ضعيفة بالمقارنة مع الأجانب، وهو ما يعزى إلى الشركات الراعية التي تفرض أسماء دون أخرى. وكان الفنان محمد الغاوي قد اعتبر أن المسؤولية يقتسمها الإعلام وخاصة التلفزيون، والشركات التي تعتمد على الفنانين لتسويق منتوجاتها، في الإساءة إلى الفن المغربي، وبإنتاج كلام ساقط وتمييع الذوق العام، وتلويت أذن المغاربة وتوجيه ذوقهم إلى الرداءة وتكريس الفن السيء والهابط. وأضاف الغاوي أن الفنان المغربي، والفن المغربي معه، يموت ببطء ويعاني الاحتضار الطويل، ويستدعى بشكل موسمي فقط من أجل در الرماد في العيون وإخراس الألسن المنتقدة لهذا التغييب المتعمد حتى صار هدفه الأول وهاجسه الأوحد الصراع من أجل البقاء، من أجل هذا أضاف أطلب تدخلا ملكيا عاجلا للنظر في وضعية الفن المغربي وذلك بمحاولة نفض الغبار عنه وتقديمه للجمهور المغربي في أفضل حلة، على غرار مهرجانات السينما والمسرح مثلا. وذهب الفنان عبدالهادي بلخياط المذهب نفسه إذ اعتبر الظاهرة قديمة مافتئ يعاني منها المغني المغربي، وقال نحن لسنا ضد استدعاء فنانين من الخارج، فنحن أيضا نشارك في حفلات ومهرجانات خارج بلادنا، لكننا نطالب فقط بالمساواة، وبشروط دنيا من الاحترام حتى نستطيع أن نتفاعل مع الجمهور المغربي الذي نبادله الحب. وضرب مثلا بما يحدث في مصر من تكريم واحترام لأبناء البلد أولا، وتقديمهم على الفنان الأجنبي، وقال في مصر يلزم القانون أن يترك الفنان الذي يأتي للغناء فيها بأداء 25 في المئة من عائدات الحفلة للنقابة هذا دون الضرائب، بينما يأتون هنا إلى المغرب ويأخذون المال وينصرفوا حتى دون أن يعرف أحد كم كسبوا. واعتبر أن المسؤولين في الشركات الراعية لمثل هذه الحفلات الخاصة غير فنانين وأن كل همهم هو التجارة وفي هذا ضرر كبير على الفنان والجمهور على حد سواء.