للدين موقع مكين في النفس البشرية، ومكانة محورية في نظامها الثقافي، ونفوذ ملحوظ يتخلل البنية المجتمعية في كليتها وتعدد مجالاتها. وقد أكدت أنثروبولوجيا الأديان أن المعتقد الديني هو من بين أكثر مكونات الثقافة تمظهرا في حياة الكائن الإنساني واقتدارا على فعل الهيمنة والتأثير. كما أثبتت التجربة التاريخية أن مختلف الأنساق والنظم المجتمعية التي استهدفت علمنة الحياة بنفي الدين واستبعاده كليا من كيانها، انتهت إلى الفشل والإفلاس. كما أكدت صيرورة تاريخ الفكر الإنساني أنه ليس ثمة دين انتهى واندثر بفعل تشكيكات العقل، إنما لا يهزم الدين إلا دين مثله، يحل محله. فكأن الكائن الإنساني لا يستطيع العيش دونما اعتقاد ديني، ومن ثم فلا يغير دينا إلا دين بديل يرى فيه إمكانية التعويض وسد احتياجه إلى العقْدِ والإيمان. الخطاب العلماني الجذري النازع منزع الإلحاد الذي أخذ يتداول في بعض هوامش واقعنا الثقافي المعاصر يقوم على أغاليط وفهم قاصر لمعنى الدين ووظيفته النفسية والقيمية ومن ثم يصح أن أقول إن الخطاب العلماني الجذري النازع منزع الإلحاد، الذي أخذ يتداول في بعض هوامش واقعنا الثقافي المعاصر، يقوم على أغاليط وفهم قاصر لمعنى الدين ووظيفته النفسية والقيمية. فالنقد العلماني الإلحادي للدين، ذاك النقد الذي يحسب أنه سيزيله بمجرد علامات استفهام شكاكة نزقة يبثها هنا وهناك، هو تجسيد لذلك المثال الشهير لعلاقة الوعي الإلحادي بالميتافيزيقا، حيث شُبِّهَ ذلك الوعي بثور هائج لا يتوقف عن النطح بقرنيه على باب من حديد (باب الاعتقاد الديني)، فتتكسر القرون ويبقى الباب ماثلا متحديا غير آبه بتلك الضربات، التي لم تؤلم أحدا سوى صاحبها النزق الهائج. إن حقل الدين يرتبط في الوعي البشري بالمقدس الذي لا يجوز المساس به أو خرق سياجات محرماته. والمحرمات هنا ليست مجرد موضوع لمسلكيات فعلية واقعية، بل ثمة منها ما يحوط حتى مسلكيات ذهنية كفعل التشكيك في مقولات الدين ومفاهيمه المؤسسة.