بدأت الولاياتالمتحدة قبل أكثر من عقدين التحول من الصناعات الثقيلة المعدنية والكيميائية، التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة والي عمالة كثيفة واستيراد الخامات اللآزمة لها من الخارج وتسهم في تلوث البيئة، الي الصناعات الحديثة مثل صناعة الأليكترونيات ووسائل الاتصالات والصناعات البيولوجية والكيمياء الحيوية والفضائية، وهي الصناعات التى تعتمد علي تقنيات عالية المستوي تكاد أن تكون شبه محتكرة منها، ولا تحتاج الى عمالة كثيفة أو تستهلك الكثير من الطاقة أو الخامات التي لم تعد متوفرة في الداخل بعد أن استنزفها الانفجار التنموي الذي شهدته الولاياتالمتحدة خلال وبعد الحرب العالمية الثانية. كان الداعي لهذا التحول من مقومات الاقتصاد التقليدي إلي اقتصاد المعرفة منافسة إنتاج الاقتصاديات الناشئة في شرق وجنوب شرق آسيا وكان من نتائجه وتداعياته انتشار الشركات الأمريكية العابرة للحدود والمحيطات وبالتالي ظاهرة العولمة الحالية. وقد سبق هذا التحول كتابات لباحثين في مراكز الأبحاث الاستراتيحية الأمريكية صدرت في كتب تمت ترجمة بعضها إلييالعربية. من أبرزها كتاب قوة المعني لتوفلر قبل أن يتم إضفاء صبغة أديولوجية علي التوجه الاقتصادي الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي . ولحقت بعد ذلك أوروبا بالولاياتالمتحدةالأمريكية ، وإن تأخرت عنها كثيرا ، ودفعها الى ذلك عمليات الاندماج الكبري التي شهدتها تسعينيات القرن الماضي بين الشركات الأمريكية والأوروربية الكبري وكذلك ما اعتري الاقتصاد الأوروبي من جمود وركود خلال العقد الأخير وزيادة الضغوط الممارسة على الحكومات من أحزاب وجماعات حماية البيئة وبدأت أوروربا تفكر بجدية في نقل صناعاتها التقليدية المكلفة الى دول في العالم الثالث تتوفر لديها مزايا نسبية مثل رخص أسعار الطاقة وأجور اليد العاملة وتوفر الخامات أو قرب مصادرها وكذلك القرب من أوروبا بالإضافة الي الاستقرار السياسي والأمني. وكانت معظم هذه المزايا تتوفر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا . غير أن دول هذه المنطقة يسودها عدم الاستقرار أو مرشحة لحدوث اضطرابات فيها بسبب سوء الإدارة السياسية والاقتصادية فيها أو طبيعة النظام السياسي . وحسب التجربة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية فإن النظم الديموقراطية وحدها هي التي تضمن الاستقرار وعدم نشوب حروب بين الدول ولذا فإن إشاعة الديموفراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يجب أن يسبق نقل المصانع الأوربية الملوثة للبيئة إليها ولتأمين أمن الاستثمارات الغربية. ومطلب البيئة في أوروبا بات أكثر إلحاحية في أوروبا عنه في الولاياتالمتحدة أذ يسكن أوروبا حاليا 400 مليون نسمة ومساحتها حوالي 10,79 مليون كم2بينما سكان الولاياتالمتحدة في حدود 270مليون ينتشرون علي مساحة 9,83كم.2وتعرضت أوروبا خلال السنوات الأخيرة الى ظاهرة الأمطار الحمضية وتضررت منها غاباتها ومحاصيلها الزراعية. ولذا أضحي مطلب إرساء الديموقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مطلبا أوروبيا أكثر منه أمريكيا أيضا. وركبت أطراف داخل الولاياتالمتحدة الموجة وسعت الي تحقيق أهداف جيوسياسية لها بدعوى محاربة الارهاب والتخلص من نظم الحكم الاستبدادية و نشر الديموفراطية إلا أنها لم تنشر سوي الفوضي التى وصفتها بالخلاقة. وراحت تلك الأطراف عوض نشر الديموقراطية تدعم نظم الحكم الاستبدادية باعتبار أن الديموقراطية لن تأتي بغير الإسلاميين المعادين بطبعهم وطبيعة معتقداتهم الدينية للغرب وإسرائيل..والمستبدون أهون ضررا علي مصالحها من حكام إسلاميون تأتي بهم الديموفراطية. من هنا ظهر التباعد بين وجهتي النظر الأوروبية والغربية . فالأوروبيون يرون بأنه إذا كان لايمكن إرساء النظام الديموقراطي في المنطقة بدون الإسلاميين فإن ذلك مدعاة لأن يدعمهم الغرب ويعتمد عليهم لا أن يعاديهم ويسعي لإقصائهم. ولأن الجدل والنقاش مازال دائرا فإن التجديد تواصل نشر الوثائق التي تصدر معبرة عنه ومنه الوثيقة المنشورة أعلاه.