أن تعود إلى باكستان على متن صفقة أمريكية مع الجنرال مشرف، فذلك يعني ببساطة أنها ستكون هدفًا لكثير من "الأصوليين"، لاسيما أولئك الذين يحبون طالبان ويريدون أن تبقى باكستان شريانًا فاعلاً يمدها بكل ما يلزم لاستمرار حربها ضد الأمريكان وحكومتهم الدُّمْية في كابول. لم يكن من السهل على القوى الإسلامية بمختلف أطيافها أن تستوعب وضعًا في باكستان يتزعمه حليفان للأمريكان، واحد في قصر الرئاسة وآخر في مبنى رئاسة الوزراء، لكن تنفيذ عملية بهذا المستوى من الاحتراف، يتطلب دعمًا لوجستيًا لن توفره سوى جهات في المؤسسة العسكرية من تلك التي لا يروق لها موقف بينظير بوتو من طالبان ومن أمريكا ومن ذات المؤسسة في آنٍ. العملية إذن، وكما كان حال العملية السابقة التي نجت منها بوتو، هي من إنتاج هذه المعادلة، بصرف النظر عن بيان يصدر من هنا أو هناك يعلن اتهام القاعدة بها، لاسيما أن كتف هذه الأخيرة صار عريضًا بحيث يمكنه تحمل أية تهمة، فكيف إذا كانت من اللون الذي يستحق الفخر بحسب اعتقاد قادتها، مما يجعل نفيها مستبعدًا حتى لو علموا بها من وسائل الإعلام مثل سائر الناس؟! والواقع أن من قتلوا بوتو هم أولئك الذين دفعوها نحو العودة إلى باكستان من منفاها الطويل، أما قول وزارة الداخلية الباكستانية: إن القاعدة هي المسئولة، بناءً على رصد مكالمة هاتفية، فلا يبدو مقنعًا، لكن الدولة الباكستانية كانت في حاجة إلى استنتاج من هذا النوع، لاسيما أن اتهامات أنصار بوتو بالتقصير، وبعضها بالتورط قد تساقطت عليها من كل جانب. حرب مفتوحة على من تسميهم الأصوليين المتطرفين بمن فيهم طالبان المحلية والأفغانية، موقف غير ودّي حيال المؤسسة العسكرية، تحالف حميم مع واشنطن، ثلاثة عناوين تتبناها بوتو، تبدو كل واحدة منها كافية لمنح حملة الأحزمة الناسفة المبرر لاستهدافها قبل أن تحط رحالها في مبنى رئاسة الوزراء، وإذا أضفنا إلى ذلك مذهبها الذي يقال إنه إسماعيلي، فستكتمل الدائرة. ولعلها كانت تدرك ذلك على نحو من الأنحاء، وهنا تحديدًا يبدو من الصعب الجزم بحقيقة موقف مشرف، وهل كان عاجزًا بالفعل عن توفير الحماية لها، أم أنه رأى في غيابها مصلحة له أفضل من حضورها كرئيسة وزراء قوية، وهنا يغدو احتمال التورط واردًا بشكل من الأشكال (بطريقة غير مباشرة بالطبع). الآن تنهض جملة من الأسئلة التي تتعلق بوضع حزبها وموضوع الانتخابات، وصولاً إلى مصير البلد برمته. وإذا كان بالإمكان الحديث عن بقاء الحزب الذي يعتمد على البعد القبلي والإقليمي والعائلي، وإن تراجع تبعًا لغياب زعيمته الكاريزمية، فإن الانتخابات لم تعد مؤكدة، إن لم تكن مستبعدة. ويبقى وضع البلد برمته الذي قد تعلن فيه حالة الطوارئ من جديد، والذي يحتاج مهمة إنقاذ عاجلة لن تأتي سوى من المؤسسة العسكرية ذاتها، وأقله بدعم منها، هي التي كان مشرف عبئًا عليها وعلى البلد برمته. باكستان اليوم تدفع ثمن التحالف البائس بين مشرف والأمريكان، ذلك الذي لم يعد عليها بأي خير، إذ خسرت من خلاله خاصرتها الأفغانية، كما خسرت استقرارها السياسي، من دون أن تحصل على أي إنجاز يستحق الذكر، لا على الصعيد السياسي ولا الاقتصادي. صحيح أن الولاياتالمتحدة قد خسرت برحيل بوتو، مما يعني ضربة موجهة لحربها ضد ما تسميه الإرهاب، لكن الخسارة الحقيقية هي من نصيب باكستان، وعلى مشرف أن يتحمل المسئولية الكاملة عنها، ولن يكون ذلك من خلال انتخابات تمنحه مزيدًا من الشرعية، بينما تبقي الساحة رهن التفكك، بل من خلال تغيير يأخذ في الاعتبار طبيعة باكستان الاجتماعية والدينية ودور المؤسسة العسكرية في آنٍ. رحيل درامي لبوتو يستكمل سيرة أسرة لم يتوقف موتها المعلن منذ إعدام الأب قبل عقود.