حكى لي أحد الأصدقاء أن شابا كان سيقدم على الزواج من فتاة تنحدر من مدينته، وعندما التقى صديقا له بإحدى مقاهي المدينة وسأله عنها وعن بيتها وأهلها ... انبرى هذا الأخير في وصف جسدها بشكل مفصل ومستفز حتى استشاط الراغب في الزواج غضبا وصرف النظر عن الزواج من هذه الفتاة بصفة نهائية بسبب الشكوك التي راودته أثناء الوصف السافر الذي فاجأه به صديقه، والغريب أن هذا الصديق لم تكن تربطه أية علاقة غير شرعية بهذه الفتاة، إلا أن ولوج أحد الشواطىء المختلطة ببلدنا هو الذي أتاح له فرصة الإمعان في جسدها العاري بكل حرية، وتخزين صورته بكامل تفاصيلها في مخيلته ليفرغها في جلسة المقهى... وكان هذا الحديث سببا في إبطال مشروع الزواج، رغم إقرار الصديق بحيثيات الأمر. والسؤال المحير هو: كيف تسمح المرأة لنفسها بأن تتعرى في الشواطىء الساحلية عريا فاحشا فاضحا؟ وتعرض تفاصيل جسدها أمام أعين من هب ودب بكل حرية وعن طيب خاطرها، امتثالا لأوامر الحداثة المزيفة ومحاكاة لمظاهر سلبية مشينة غربية غريبة عن تقاليدنا وعاداتنا، فضلا عن تحريم علمائنا الأجلاء المالكيين لهذه الظاهرة التي تفشت في بلدان عربية قليلة، وكأن أبواب شواطئنا عليها يافطات تقول: هنا مباح العري المختلط . وقد يأتي في زمن ما بعد الحداثة من ينادي بالحمامات المختلطة... ولم لا؟ فالأمر سيان حسب هذا التوجه. وما الفرق إذن بين الشوارع والشواطئ؟ وهل يمكن القول إن الشواطئ هي فرصة لفضح مستور الشوارع؟ والغريب أن شواطئنا أصبحت تتطور سنة عن سنة في اتجاه تعرية أكثر حداثة وأكثر مسخا وتعسفا على الأخلاق العامة، والمنقولة بدقة متناهية عن المصنع الغربي الإعلامي التجاري والثقافي... فلماذا لم ننقل أو نأخذ عن الغرب أسباب التقدم والازدهار للانعتاق من قيود التخلف ومن سحيق التقليد الأعمى، بغية الوصول إلى تنمية مستدامة وحداثة حقيقية في إطار القيم الإنسانية النبيلة، وفي ظل حصانة استهلاكية من كل فكر مشوه وثقافة منحلة وسياسة تكرس الانتهازية واللاوطنية؟ وفي الحقيقة الجواب على هذا السؤال ليس بالشيء العسير، وربما يحمله السؤال نفسه، ولكن الإشكالية تتمثل في تنزيل وسائل الانتقال من مرحلة التيه الحضاري وذهنية المظهر والمنظر إلى مرحلة المضمون والجوهر. وبقي أن نشير أخيرا إلى أن الكلمات التي تحملها هذه السطور لا تعني البتة الحط من كرامة عائلات وأناس خيرين يتيممون الشواطىء المختلطة ربما بشكل عفوي في كل عطلة صيفية قصد الاستجمام، فالله عز وجل خلق هذا الكون وسخره للإنسان قصد التدبر والتفكر والتمتع بجماله وبطبيعته... ولكن في إطار ما أمرنا الله به وما نهانا عنه وفق شريعتنا السمحة التي جاءت للحفاظ على العقل والنفس والعرض والمال والنسل. إننا نريد شواطئ محترمة مفيدة ممتعة تربي أجيالنا على العفة والكرامة والأخلاق الحسنة والوطنية وحب البلد... لا شواطئ تكرس ثقافة الانحلال والتفسخ الأخلاقي وتحرم فئات عريضة من النساء والرجال من التمتع بما حبانا الله به من نعمه العظيمة. محمد معناوي