ظاهرة ولادة الأحزاب السياسية ليست بجديدة، بل فيها نوع من الاستمرارية، لظاهرة قديمة، غير أنها استمرار كاريكاتوري في الغالب، تقليد متأخر لشروط وقع تجاوزها على صعيد العملية السياسية. لنسترجع بعض الأوليات أو المبدئيات، فالتعددية السياسية هي نقيض التعددية النقابية، هي تعبير عن ظواهر ذات طبيعة موضوعية، سواء في المجتمع عموما أو على صعيد علاقته بإدارة الدولة، ولذلك لا يمكن للديمقراطي أن يقلق أو يتضايق من التعددية السياسية، بالعكس، يجب أن نشجع على التعدد بشرط أن يكون معبرا عن تعدد داخل المجتمع، وليس تعددا مصطنعا لإفساد التعدد الحقيقي، وبالتالي لإفساد العملية السياسية، والحال أن ما كان يشهده المغرب خلال التجربة السابقة هو من هذا القبيل، يعني تدخل الدولة لإفساد العمل السياسي وخلط الأوراق وتمييع المجال وإبعاد المواطنين فئات وأفرادا ومجموعات وطبقات عن العمل العام، وبالتالي احتكارالعمل العام من قبل أقلية بيروقراطية تكنوقراطية، واحتكارها لمختلف المصالح المرتبطة بالمواطنين وأهمها مؤسسات إدارة الدولة. الجديد اليوم هو أننا نلاحظ أن الانتقال الديمقراطي هو توجه داخل إدارة الدولة لتجاوز هذا العبث، وإذا كان لنا من ملاحظات على قانون الأحزاب، وهي ليست بالقليلة، فهي إيقاف هذه العملية، هذا الاستنزاف السياسي والأخلاقي والاجتماعي عن طريق التشتيت والتفكيك وشاهدنا في أواخر 2005 تدخل ضمن من يوجدون داخل الإدارة من بقايا العهد السابق والذين يريدون مناهضة هذا التوجه وعرقلته، وهذا شخصيا ليس لدي عليه حجج مادية، ولكن قرائن الأحوال ومؤشراتها تشجعني على هذا الترجيح.