إن المتأمل في الاسلام يجد أنه اعتمد منهج القصد والاعتدال في كل شيء مصداقا لقوله تعالى (قل أمر ربي بالقسط) ومنع تجاوز الحدود في كل شيءولا تسرفوا، ولكن حال الكثير من أبناء الأمة الإسلامية اليوم أصبح هو الإسراف في كل شيء، ونقصد بالإسراف تجاوز الحد الطبيعي والشرعي في كل شيء. كما يتجلى من خلال المظاهر التالية: الإسراف في المأكل والمشرب لقد أصبح الكثير من الناس في زمننا يعيشون حياة الإسراف، فكثيرا ما تجد موائدهم مملوءة بأصناف المأكولات الكثيرة والتي يأكل منها شيء ويرمي بالباقي منها في الأزبال وهذا يخالف قوله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).ويخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه خرجه الترمذي وقال:حسن صحيح، ومخالف لنهج السلف الصالح، دخل عمر ذات مرة على ابنه عبد الله بن عمر إذا عندهم لحم، فقال: ما هذا اللحم؟ قال: اشتهيته. قال: وكلما اشتهيت شيئا أكلته كفى بالمرء إسرافا أن يأكل كلما اشتهى؟!.وكان يمنعه رضي الله عنه من التنعم بالمأكل والمشرب قوله تعالى: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا الأحقاف: .20 الإسراف في الملبس حيث أصبحنا نجد الكثير من الناس يشترون ما لا يلبسون أو ما يلبسون لمدة وجيزة ويتركون، وهذا مخالف لهدي السلف الصالح، كذلك حيث كانوا يقتصدون في اللباس ولا يشترون إلا ما يحتاجونه. وقد كان عمر وهو أمير المؤمنين يقتصد في الملبس الى حد الزهد فيه، وقد خطب الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنا عشر رقعة. وأبطأ مرة على الناس يوم الجمعة ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا ولم يكن لي ثوب غيره. الإسراف في الأثاث وهنا حدث ولاحرج من تجاوز الحدود في أثاث المنزل من أمور الكماليات والحاجيات حتى بلغ ببعضهم أن يغيروا هذه الأثاث بين الفينة والأخرى تماشيا مع الموضة وما جد في عالم السوق ... الإسراف في استعمال الماء حيث أصبح الكثير منا يسرف في الغسل ويسرف في الوضوء ويسرف في النظافة، وكل ذلك مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في استعمال الماء حيث كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالمدين. الإسراف في اللهو واللعب حيث أصبح كثير من أبناء المسلمين يقضو ن الأوقات الطائلة في أمور اللعب واللهو، فضيعوا بذلك مصالح الدين والدنيا والله تعالى يقول : (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون). الإسراف في النوم من الملاحظ أن كثيرا من المسلمين لا ينامون مبكرا، وإذا ناموا تجاوزا حدود الاعتدال وضيعوا أوقات الصلوات خاصة الفجر والعصر. الإسراف في الكلام لقد ابتلي كثير من المسلمين بكثرة الكلام، وتجاوز حد الاعتدال في، وأصبحوا يتكلمون في كل شيء وفي ما لا يعنيهم فكثرت زلاتهم وسقطاتهم وذنوبهم، وكل ذلك مخالف لتوجيهات الدين كقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. الإسراف في مشاهدة التلفاز هناك كثير من الناس يقضون جل أوقاتهم مع التلفاز، فضيعوا المصالح الدينية والدنيوية، بل وتأثروا بكثير من الأمور الفاسدة التي أفسدت أخلاقهم ودينهم. فهذه بعض مظاهر الإسراف في حياتنا اليوم، وفي المجمل فقد أصبح المسلمون مسرفون في كل شيء متأثرين في ذلك بمظاهر الحياة الغربية التي لا تراعي دينا ولا خلقا. مما ترتب عن ذلك مفاسد كثيرة وخطيرة في مناحي الحياة كلها. أين العلاج؟ إن علاج هذه الآفة يكمن في العناصر التالية: 1 تقدير خطورة الإسراف: وهذا يقتضي معرفة هذه الخطورة والتي تتجلى في النقاط التالية : المسرفون من إخوان الشياطين: قال تعالى (إن المبذرين كانوا من إخوان الشياطين). وهذا هو أشد أنواع الإسراف وهو التبذير أي تجاوز حدود الحلال الى الحرام. ولما كان الشياطين من دأبهم تجاوز حدود الله تعالى ومخالفة أمره كان المسرفون المبذرون من إخوانهم وأتباعهم، وكفى بهذا التشبيه كراهة في النفس وخطورة في الإثم. المسرفون لا يحبهم الله تعالى:قال تعالى متحدثا عن نفسه المقدسة (إنه لايحب المسرفين)، ومن لايحبه الله أبغضه ومن أبغضه أبعده. الإسراف يجر إلى الحرام: إن الاسراف إذا اعتاده المرء تمكن منه وأصبح ديدنه في الحياة فلا يقدر على الرجوع إلى الاعتدال، بل وقد يفضي به إلى السقوط في الحرام حفاظا على حياة الإسراف التي ألفها، وهذا أمر مشهود في حياة كثير من المسرفين. الإسراف يفضي إلى الضياع:لما كان الإسراف هو تجاوز الحدود في كل شيء، كان من الطبيعي أن الإسراف يفضي بصاحبه إلى الضياع المادي والمعنوي، لأن الشيء إذا تعدى حده انقلب إلى ضده. 2 تخصيص برامج تهدف إلى ترسيخ ثقافة القصد والاعتدال في كل شيء، وذلك من خلال وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمقروءة. 3 تربية النشء على نهج الاعتدال، وذلك بتخصيص مواد في المقررات التعليمية تعنى بذلك. 4 اعتناء الأباء بأبناءهم وتربيتهم على نهج الاعتدال بالقدوة الحسنة والتوجيه والتعليم. 5 قيام المسؤولين بدورهم في زجر ومعاقبة المسرفين المتجازوين للحدود