هاته هي الأسماء التي تم تعيينها اليوم في مناصب عليا بالمجلس الحكومي    رئيس الحكومة يقف على تقدم تنزيل خارطة طريق التشغيل    أزيد من 80 % من الأسر المغربية تدهورت معيشتها ونصفها تتوقع تفاقم الوضع    الوداد ينفصل عن موكوينا ويعيّن أمين بنهاشم مدربًا للفريق    إحباط محاولة تهريب أزيد من 11 ألف وحدة من الشهب النارية بميناء طنجة المتوسط    الوداد البيضاوي ينفصل عن موكوينا بالتراضي ويعين بنهاشم بدلا منه    نبيل باها : العمل القاعدي الحالي على مستوى كرة القدم سيجعل من المغرب "قوة كروية كبرى"    المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يتوجه إلى مصر للمشاركة في كأس إفريقيا    دورة مدريد لكرة المضرب.. انسحاب ألكاراس من البطولة بسبب الإصابة    أخنوش يترأس جلسة عمل للوقوف على تقدم تنزيل خارطة طريق التشغيل    تأجيل جلسة محاكمة كريمين والبدراوي إلى غاية 22 ماي المقبل    منظمة دولية تندد ب"تصعيد القمع" في الجزائر    الملتقى الدولي لفنانين القصبة بخريبكة يؤكد ضرورة الفن لخدمة قضايا المجتمع    الكتاب في يومه العالمي بين عطر الورق وسرعة البكسل.. بقلم // عبده حقي    مهرجان سينمائي الفيلم التربوي القصير يرسخ البعد التربوي    واتساب تطلق ميزة "الخصوصية المتقدمة للدردشة" لحماية المحادثات من التصدير والتنزيل التلقائي    المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى احترام حق الجمعيات في التبليغ عن جرائم الفساد    نائب عمدة الدار البيضاء يتهم محسوبين على "جماهير الحسنية" بتخريب بعض مرافق ملعب محمد الخامس    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    بنكيران يناشد "إخوانه" بالتبرع لتغطية تكاليف عقد مؤتمر "المصباح"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    سلسلة هزات ارتدادية تضرب إسطنبول بعد زلزال بحر مرمرة وإصابة 236 شخصاً    الصين تنفي التفاوض مع إدارة ترامب    وزراء الخارجية العرب يشيدون بالجهود المتواصلة التي يبذلها الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس من أجل الدفاع عن القدس الشريف    20 مليار مقطع فيديو حُمّلت على "يوتيوب" منذ إطلاقه قبل 20 سنة    الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية: منصة للإبداع المجتمعي تحت شعار "مواطنة مستدامة لعالم يتنامى"    روبي تحيي أولى حفلاتها في المغرب ضمن مهرجان موازين 2025    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    مديرة وكالة الدعم الاجتماعي من واشنطن: الميزانية السنوية للدعم الاجتماعي قد ترتفع إلى 30 مليار درهم    الجيش المغربي يجري مناورات "فلوطيكس 2025" في المتوسط لتعزيز جاهزية البحرية    المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة: المغرب نموذج بارز للابتكار    الملك محمد السادس يعطي اليوم انطلاقة أشغال مشروع القطار فائق السرعة "LGV" القنيطرة – ومراكش    اتحاد طنجة يحتج بشدة على "المهزلة التحكيمية" ويطالب بفتح تحقيق عاجل    وعي بالقضية يتجدد.. إقبال على الكتاب الفلسطيني بمعرض الرباط الدولي    الحبس ثلاث سنوات لشرطي وسنتين لآخر وتبرئة الثالث في قضية ياسين شبلي ومحاميه يصف الأحكام ب"الصادمة"    حشود غفيرة تودع البابا فرنسيس    خالد بوطيب يجبر فيفا على معاقبة الزمالك    الصين تعلن عن التجارب الجديدة لعلوم الحياة في محطة الفضاء    جهة الداخلة – وادي الذهب تضع الاستثمار في صلب دينامية التنمية الجهوية    في 58 دائرة انتخابية.. "الأحرار" يهيمن على نتائج الانتخابات الجماعية الجزئية    شراكة رائدة بين بيوفارما و الفدرالية المغربية لمربي أبقار سلالة أولماس – زعير لتطويرهذه السلالة المغربية    برادة يحوّل التكريم إلى "ورقة ترافعية" لصالح المغاربة و"اتحاد الكتاب"    السبتي: العنف الهستيري ضد غزة يذكّر بإبادة الهنود الحمر و"الأبارتايد"    "الذكاء الاصطناعي" يرشد الفلاحين بالدارجة في المعرض الدولي بمكناس    إيواء شاب يعاني نفسيا مستشفى انزكان بعد احتجاج عائلته على عدم قبوله    مشاركة OCP في "سيام".. ترسيخٌ للعنصر البشري في التحول الفلاحي    منتوج غريب يتسبب في تسمم 11 طفلا باشتوكة    مقاضاة الدولة وأزمة سيادة القانون: الواقع وال0فاق    الحكم الذاتي والاستفتاء البعدي!    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكرة القومية تكشف هشاشة الصعود الليبرالي
نشر في التجديد يوم 05 - 12 - 2016

يحق لفيدل كاسترو وهو يغادر عالم الحياة أن ينظر إلى رفاقه ومنتقديه، ويعلن: «ألم أقل لكم؟». لم يظهر الزعيم الكوبي، الذي ألهم آلاف المناضلين في أمريكا اللاتينية والعالم، أي ندم على مسيرته الثورية. في رسالته للمؤتمر الحزب الشيوعي الكوبي، في إبريل الماضي، تحدث كاسترو عن الحياة إلى التسعين من العمر، وعن اقتراب لحظة الموت، ولكنه أعرب عن ثقته، أيضاً، بأن التاريخ سينصف سجل الثوريين الكوبيين وإنجازاتهم.
لم يقابل كاسترو الرئيس الامريكي أوباما اثناء زيارته التاريخية لكوبا، وثمة شك في أنه نظر إلى قرار أوباما الانفتاح على الجزيرة الفقيرة والمثقلة بالأعباء، التى شكلت لأمريكا إزعاجاً أيديولوجياً وسياسيا – استراتيجياً طوال ستة عقود، بأي درجة من الترحيب أو الشعور بالانتصار. خلال هذا الزمن الطويل، حاولت أمريكا بكل الوسائل إطاحة النظام الكوبي الثوري واغتيال زعيمه؛ وكلما فشلت المحاولة، شددت واشنطن إجراءات الحصار والعقوبات على الجزيرة الواقعة في بوابتها البحرية الجنوبية – الشرقية. لم تهزم كوبا، وربما يمكن القول أن إنجاراتها في مجالي التعليم والخدمة الصحية ليس لها نظير في العالم، حتى وقد أثقل الفقر كاهل شعبها، الفقر الذي يصبح أكثر أثراً عندما تقارن الجزيرة الصغيرة بجوارها الامريكي بالغ الثروة الغنى. ولكن الاقتصاد، الذي مثل تحدياً هائلاً لكوبا منذ إطاحة نظام باتيستا وفرض الحصار الامريكي، لم يكن التحدي الأكبر طوال العقود الستة الماضية. تحدي كاسترو الأكبر كان القيم الليبرالية للنظام الرأسمالي، النظام الذي كرس الزعيم الكوبي حياته للقتال ضده، والقتال حتى الموت، كما قال يوماً.
فرض كاسترو قيوداً غير مسبوقة على الإنسان الكوبي، وحكم بنظام حزب واحد وقبضة حديدية. وكان عليه، في المقابل، أن يسوغ الحكم الديكتاتوري في مواجهة تحدي الحرية الليبرالي: حرية الضمير، حرية الاعتقاد، حرية الرأي، حرية التملك، حرية الانتقال والسفر، وحرية العمل والسعي إلى إشباع الذات. أكدت الليبرالية، فوق ذلك، حكم القانون ومساواة المواطنين أمام مؤسسة العدالة، وحق الشعوب في أن تطيح حكوماتها وحكامها، وتختار من يحكمها. لم تعمل الليبرالية الغربية دائماً في واقع الحال كما هو مثالها، ولكن التحدي الذي مثلته للأنظمة الديكتاتورية كان، بالرغم من ذلك، كبيراً. عدد من اليساريين الامريكيين الليبراليين مد اليد باتجاه كوبا من قبل، أبرزهم، ربما، كان مرشح الرئاسة الديمقراطي في الثمانينات جورج ماكغفرن (الذي خسر انتخابات الحزب الأولية لصالح مانديل). وحتى الرئيس كارتر حاول تطبيع علاقات بلاده مع كوبا. ولكن كاسترو لم يتخل يوماً عن شكوكه في الليبرالية الامريكية ونظامها الديمقراطي، ولا حتى بعد أن تخلى عن الحكم لشقيقه راؤول. أخيراً، وقد رأى في لحظات حياته الأخيرة تراجع الليبرالية في أمريكا والعالم الغربي، يحق لكاسترو أن يقول لمعارضيه «ألم أقل لكم؟».
لم تحقق الليبرالية تقدماً مثل ذلك الذي حققته بعد الانتصار في الحرب الباردة، عندما اكتسحت رياح الديمقراطية وقيم الحرية القارة الأوروبية وأغلب العالم. وربما يمكن القول أن الليبرالية الغربية ذهبت بعيداً في احتفالها بالانتصار، وربما بالغت، أيضاً، في الترحيب بالمهاجرين، بالتعددية الثقافية، وإظهار قليل من الاحترام لقيم العائلة التقليدية، المؤسسة في ثقافة المجتمعات الغربية المسيحية؛ وأن هذا ما أدى إلى ردود الفعل الهائلة وواسعة النطاق التي تشهدها أكثر من دولة غربية مؤخراً. ولكن من غير الواضح، ولا المتيقن، بعد إن كان هذا التفسير صحيحاً. حجم التحول في التوجهات الشعبية في دول مثل بريطانيا وأمريكا وفرنسا أكبر بكثير مما يمكن تفسيره باستهتار وجموح الدوائر الليبرالية.
نجاح معسكر الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وانتصار ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية، وما يقاربه من انتصار فرنسوا فوين في انتخابات الجمهوريين الفرنسيين الأولية، لابد أن يقرأ، أيضاً، في عشرات الملايين من الناخبين الذين أعطوا أصواتهم لبرامج هؤلاء ووعودهم، التي لا يمكن أن توصف إلا بأنها تمثل تهديداً لقيم الليبرالية الغربية.
باسم استقلال بريطانيا مرة، وتحت راية اليمين البديل واستعادة القوة مرة أخرى، واستجابة لدعوات المحافظة على الهوية، مرة ثالثة، يبرز تيار يميني متشدد لا يخفي سعيه إلى وضع نهاية لتقدم قيم الحريات والمساواة أمام القانون والاعتراف بالتعددية على جانبي الأطلسي. انتصر دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي ليس لأن عضوية الاتحاد أصبحت صفقة خاسرة لبريطانيا، ولكن بحملة من الرسائل الصريحة والمستبطنة، العنصرية والعنصرية المغلفة، ضد المهاجرين الأوروبيين الشرقيين وغير الأوروبيين، وضد سياسات التعددية الثقافية، التي شهدت ذروتها في العقدين الماضيين.
وانتصر ترامب بالدعوة إلى إغلاق حدود الولايات المتحدة، منع المسلمين ومراقبتهم، احتقار الامريكيين اللاتينيين واتهامهم بجرائم الاغتصاب وتجارة المخدرات، والاستهتار بحرية الصحافة والإعلام. وبالرغم من أن فرنسوا فوين، المنتصر في الانتخابات الأولية لليمين الفرنسي، يرى بأنه الكفيل بهزيمة الجبهة الوطنية الفرنسية، أكثر الأحزاب الفرنسية عنصرية، فخطاب مرشح اليمين الفرنسي لا يبدو أكثر اعتدالاً من خطاب التهديد الفج الذي تمثله الجبهة الوطنية. هذا المرشح لرئاسة فرنسا لا يؤمن بأن الاستعمار شر، ويصفه بأنه مجرد حراك تاريخي للتبادل الثقافي، متجاهلاً مسؤولية بلاده عن الملايين الذين تم إبادتهم في مستعمرات فرنسا الإفريقية والآسيوية. فرنسا ليست دولة متعددة الثقافات، يقول فوين، وعلى الوافدين الجدد الإندماج في البوتقة الجمهورية المتصورة؛ وسعي الإسلام توكيد وجوده الفرنسي، يمثل خطراً داهماً على حياة الفرنسيين اليومية.
ثمة مشكلة تاريخية وأصيلة عاشتها وتعيشها الليبرالية الغربية، ليس فقط لأنها لم تكن ليبرالية فعلاً في تعاملها مع الشعوب المستعمرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ولكن لأنها أيضاً لم تستطع يوماً أن تجد وعاء وقاطرة وركيزة لها خارج نطاق الدولة القومية. ولدت الليبرالية الغربية في الوقت نفسه الذي شهد ولادة وصعود فكرة الدولة الأمة وخطابها القومي.
بدون الدولة القومية تتحول القيم الليبرالية الغربية إلى مجرد تمرين فردي، أو تمرد جماعات صغيرة على هامش الدولة والمجتمع. وهذه كانت دائماً مشكلة التيار الفوضوي، الذي أدت نزعته المناهضة للدولة القومية إلى تحوله لحركة احتجاج ثانوية، أو تنظيمات عنف مطاردة، أو غيتوهات صوفية معزولة. الليبرالية الغربية كانت أذكى وأكثر عملية، عندما احتنضنت الدولة القومية وعملت ضمن شروطها. ولا أن الحرية كانت دائماً مبرر وجود الليبرالية الأكثر فعالية، وفرت الليبرالية الغربية الحرية ليس فقط من أجل تعزيز قيمها والانتصار لها، بل ولرفضها أيضاً. من ناحية أخرى، مثلت الدعوة القومية، بكافة تياراتها، مبرر وجود الدولة القومية الحديثة الأكثر حيوية ومعنى.
وهذا ما جعل الانتصار الليبرالي هشاً، وقابلاً للتراجع. ليس ثمة دولة غربية واحدة، خلال القرنين الماضيين، أفلتت من حقبات ردة على القيم الليبرالية، لا بريطانيا ولا فرنسا ولا أمريكا، ولا ألمانيا، بالطبع. مواريث الصعود الكاثوليكي، والقومية الإمبريالية، في فرنسا القرن التاسع عشر، الاستعباد الصناعي البريطاني والتوسع الإمبراطوري، المحرقة الألمانية، والمكارثية الامريكية، لم تزل حية في الذاكرة. واليوم، تعود الفكرة القومية لتتمرد على الشريك الليبرالي في أكثر من دولة غربية. ألم يكن كاسترو على حق، إذن، في اعتقاده أن من السذاجة الاطمئنان لوعود الليبرالية الغربية في الحرية والمساواة والاحتفال بالتعددية؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.