لم يتوقف الهاتف عن الرنين ببيت أسرة محمد داكي، اتصالات من خارج المغرب وداخله من أجل تهنئته على إطلاق سراحه، لم يقتصر الاتصال على المغاربة فحسب بل تعدى ذلك إلى الإيطاليين صحافيين ومحامين وسياسيين.. ابتدأت قصة داكي مع تهمة الإرهاب بإيطاليا يوم أن قام بواجب الضيافة اتجاه مواطن صومالي ربما يشتبه في انتمائه إلى تنظيم ما، فقضى داكي 22 شهرا في السجن أثرت على حياته الأسرية والمهنية ليحكم عليه بالبراءة التامة من الإرهاب الدولي فيرحل كرها إلى المغرب.. أمضى داكي خمسة أيام في ضيافة الشرطة القضائية بالدارالبيضاء، فأحيل يوم الأربعاء الماضي على النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرباط، فقررت هذه الأخيرة عدم متابعته وإطلاق سراحه. التجديد التقت بمحمد داكي في بيت أسرته بالدارالبيضاء فأجرت معه الحوار التالي: ما هي أول مرة تغادر فيها المغرب اتجاه الخارج؟ غادرت المغرب بداية إلى ألمانيا يوم 26 نونبر 1989 من أجل الدراسة بمدرسة المهندسين، غير أن مشاكل عائلية حالت دون إتمام مشواري العلمي منها وفاة أبي رحمه الله، وسافرت إلى إيطاليا رفقة زوجتي حينها وابني الصغير يوم 26 شتنبر من سنة 2002 من أجل تمكين زوجتي من أوراق الإقامة بإيطاليا لأنها كانت لا تتوفر على الوثائق، وكانت إيطاليا حينها قد بدأت في منح المهاجرين غير الشرعيين وثائق الإقامة، وتقدمت أنا وزوجتي بكل الوثائق من أجل الحصول على أوراق الإقامة، غير أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن. هل سبق أن كان لديك انتماء لأي تنظيم إسلامي أو غيره سواء بالمغرب أو خارجه؟ لا، أبدا لم يسبق لي أن انتميت لأي جماعة. كيف بدأت قصة اتهامك بالإرهاب الدولي وما هي الأسباب التي جعلت إيطاليا توجه لك هذه التهمة؟ بدأت قصتي لما اتصل بي صديق جزائري يقطن بألمانيا وطلب مني استضافة أحد معارفه وهو مواطن صومالي من أجل أن يقضي عندي يومين أو ثلاثة بإيطاليا، فرحبت به لأن ذلك من شيمنا نحن المغاربة وقدم إلينا يوم الأربعاء 28 مارس من سنة 2003 فمكث عندي يومين، وبعد أن ودعني ألقت عليه الشرطة الإيطالية القبض للاشتباه فيه، وبعد التحقيق معه جاء عندي رجال المخابرات حوالي 12 والنصف ليلا ففتشوا بيتي وألقوا القبض علي ثم أفرجوا عني بعد ساعات، وبعد أربعة أيام من هذه الواقعة ذهبت إلى مركز الشرطة وقدمت لهم شكاية كتابية عبرت فيها عن تضرري من زيارتهم لي ليلا وإلقائهم القبض علي حيث سبب لي ذلك مشاكل مع أصدقائي المغاربة، فكان جواب الشرطة أن أنتظر قليلا فانتظرت لبضع ساعات، فجاءت شرطة ميلانو فألقت علي القبض وأخذتني إلى سجن بميلانو وقضيت هناك أربعة أشهر، ثم رحلوني بعد ذلك إلى سجن بمدينة كومو قرب الحدود السويسرية الإيطالية فأمضيت هناك سنة وستة أشهر. ما هي التهم التي وجهت إليك؟ اتهموني بالإرهاب الدولي وانتمائي لتنظيم أنصار الإسلام الموالي لأبي مصعب الزرقاوي، غير أن التناقض الصارخ والغريب، بل كان الأمر مضحكا، أنه في الفترة التي تم فيها اعتقالي لم يكن شيء اسمه زرقاوي أو أنصار الإسلام، بل كان صدام حسين حينها ما يزال على رأس العراق فكيف توجه لي تهمة وأنا كنت حينها في السجن. هل يمكن أن تعطينا فكرة عن الظروف التي مرت فيها محاكمتك؟ تقدمت بداية إلى المحكمة الابتدائية يوم 9 شتنبر 2005 فاخترت طريقة من طرق المحاكمة والمسماة باختصار وهو ليس حكما عاديا لأن هذا الأخير تطول مدته، ومن مزايا هذه الطريقة هو أنه عند الحكم عليه بعقوبة سجنية يتم إزالة ثلثها مثلا إذا قضت المحكمة عليك بتسع سنوات ستمضي فقط ست سنوات وهكذا، فقضت القاضية الإيطالية كليمنتينا فورليو بتبرئتي من تهمة الإرهاب الدولي وأبقت على تهمة تزوير الوثائق، هذا الحكم لم يرق المدعي العام فطعن في الحكم وأحيلت القضية على محكمة الاستئناف يوم الاثنين 14 من شهر 11 من سنة ,2005 فتحدث القضاة والمحامون ويوم 28 من شهر يناير تحدث دفاعي، كما تحدثت أنا أيضا وقلت للمحكمة حينها لقد دخل رجال المخابرات إلى بيتي وفتشوه ولم يجدوا شيئا فإن كان لديكم أي دليل عن أية وثيقة مزورة فأرجو أن تظهروها، وبعد ست ساعات من المداولة بين ثماني قضاة حكموا علي بالبراءة التامة من الإرهاب الدولي ومن تزوير الوثائق، في حين حكموا في الملف نفسه على تونسيين بثلاث سنوات سجنا بسبب الهجرة غير الشرعية وتمت براءتهم من تهمة الإرهاب الدولي. لما حكمت عليك القاضية بالبراءة طلب من وزير العدل الإيطالي روبرتو كاستيللي بإرسال لجنة تحقيق إلى محكمة ميلانو للتحقيق مع القاضية كليمنتينا فورليو ماذا كانت النتائج؟ أولا لا بد من الإشارة إلى أن وزير العدل الإيطالي ينتمي إلى الحزب الشمالي المتطرف المعروف بعدائه للأجانب، ولذلك لم يرقه قرار المحكمة، مما جعله يأمر بالتحقيق في ملفنا وفي حكم القاضية كليمنتينا فورليو غير أن لجنة التحقيق لم تسجل أي خرق أو تجاوز وهذا أدى إلى أن تنتصر القاضية، فأدى ذلك لأن تترقى في سلم القضاء ثلاث درجات بسبب ملفنا. يوجد بإيطاليا قانونا للإرهاب هل حوكمت بموجبه، وما قولك في القضاء الإيطالي؟ هناك قانون مكافحة الإرهاب وهذا من حق إيطاليا لأنها كأي دولة تسن قوانين لحماية نفسها ومواطنيها، ولكن عموما القضاء الإيطالي قضاء نزيه لا يأبه إلى اتهامات الداخلية، بل ينظر في الملفات المعروضة عليه بتمعن ثم يقر، وأشكر بالمناسبة القضاء الإيطالي لأنه لم يخضع للضغوطات السياسية في أحكامه، كما أن القضاء الإيطالي لا يفرق بين مسلم ولا يهودي ولا مسيحي، كما أوجه شكري للقضاة الذين قاموا بالبت في ملفي أثناء مرحلة الاستئناف، كما أن براءتي لم تأت من فراغ لأنه يصعب أن يحكم ثماني قضاة بالبراءة دون مبرر. بعد الحكم الابتدائي صرح وزير الدخلية بأنه لو كان الأمر بيده لطردك مائة مرة، ما سبب ذلك؟ هذا الموقف كان منتظرا لأنه ينتمي لحزب يميني معادي للأجانب، وبعد طردي كانت هناك ضجة إعلامية، خاصة وأن يوم ترحيلي صادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان وكانت وقفة احتجاجية مساندة لي وحملوا المحتجون عربا وإيطاليون لافتات تطالب بإرجاعي، ويوم السبت المقبل (الحوار أجري يوم الخميس الماضي) سينظم الحزب اليساري الإيطالي إلى جانب هيئات حقوقية والعديد من العرب والمسلمين وقفة احتجاجية بإيطاليا مساندة لي ويطالبون من خلالها بتمكيني من وثائقي ومنحي كل حقوقي. كيف كانت معاملة الإيطاليين لك في السجن، هل تعرضت لأي تمييز أو تعذيب؟ كانت معاملتهم جيدة لم أخضع لأي تعذيب أو إكراه، وأثناء وجودي في السجن كانت معاملة طيبة، وكان الحاجز هو اللغة لأني لا أتقن اللغة الإيطالية بل أتقن اللغة الألمانية، غير أنه أثناء فترة السجن تغلبت على هذه المعضلة فتعلمت اللغة الإيطالية، ومرة استدعتني مديرة السجن وقالت لي أنا لا أنظر إليك أنك إرهابي بل أنت إنسان يتصف بسلوك حسن وجيد، إضافة إلى احترامهم للمسلمين، حيث أنهم خلال فترة رمضان كانوا يخصون المسلمين بأكل خاص، ويحرصون أن تتضمن الوجبة تمرا. لماذا تم ترحيلك إلى المغرب رغم أن القانون لا يسمح بذلك؟ القاضي لم يحكم بالترحيل بل بأن أمكث بإيطاليا بداية لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام من أجل أن أتسلم وثيقة البراءة لكي تبقى عندي، ولكن أنا لم أقف عند هذا الحد بل طالبت بالتعويضات عن المدة السجينة التي قضيتها وهي 22 شهرا من السجن دون ذنب اقترفته، غير أن المخابرات الإيطالية فاجأتني واعتقلتني ورحلتني للمغرب بعد أن قرر وزير الداخلية الإيطالية ذلك، لأنه ينتمي إلى حزب اليمين الذي يكره الأجانب. كيف تعاملت وسائل الإعلام الإيطالية مع ملفك، هل كان هناك تحامل عليك؟ وسائل الإعلام في كل بلد تتعامل حسب الجهة التي تصدرها، غير أن صحافة الحزب اليساري الإيطالي الذي يتزعمه رومانو برودي ناصرتني كثيرا، هذا الحزب لم يساندني من خلال صحافته فحسب بل تعدى الأمر إلى الدفاع عني تحت قبة البرلمان، وقد أثارت قضيتي جدلا واسعا داخل البرلمان الإيطالي، إذ ساندني الحزب اليساري وأقر أنني مظلوم وطالب بمنحي وثائق الإقامة بإيطاليا وعارض طردي من إيطاليا، كما لا يفوتني أن أشير إلى أن أشهر الصحف الإيطالية ساندتني مثل صحيفة لاريبوبليكا. كيف تم ترحيلك إلى المغرب؟ كنت نائما واقتحم رجال المخابرات مكان إقامتي فأمروني بأن أجمع أغراضي لأرافقهم فأخبروني بأنهم سيرحلوني إلى المغرب، وهذا ليس من حقهم كان عليهم أن يخبرونني قبل ذلك بأيام، وهكذا رافقتهم وكان عددهم ثلاثة رجال أمن بمدينة ردجو إميليا ثم سلموني إلى شرطة مدينة ميلانو، هذه الاخيرة قامت بترحيلي إلى المغرب فتم تسليمي إلى شرطة الدارالبيضاء. بعد تسليمك لشرطة الدارالبيضاء، هل تم تعذيبك أو إكرهك على توقيع محضر أو ما شابه ذلك؟ لا لم أتعرض لأي شيء من هذا القبيل، بل قضيت مدة خمسة أيام رهن الحراسة النظرية بالدارالبيضاء حتى تم عرضي على الوكيل العام للملك وعاملني معاملة طيبة لا تتصور، والحمد لله أنا في بلادي ولم تقرر أي متابعة في حقي، فأنا فرح برؤية عائلتي خاصة أمي وأتمنى أن أرى ابني خلال رأس السنة. هل سبق أن حقق معك بألمانيا قبل رحيلك إلى إيطاليا؟ بعد هجمات أحداث 11 شتنبر بأمريكا تم استدعاء كل الطلبة العرب والمسلمين المقيمين بهمبورغ وقاموا بإجراء تحقيقات معهم، وهذا من حقهم وقد كنت من ضمن الذي شملهم التحقيق لمدة ساعتين. ما هو تأثير هذه التجربة على حياتك؟ أصعب شيء على الإنسان شعوره بالظلم واتهامه رغم أنه بريئ، فمثلا أنا لم أقم بأي شيء يخالف القانون ذنبي الوحيد أنني استضفت مواطنا صوماليا ولنفرض أن هذا الصومالي له انتماء معين فما ذنبي أنا، أشعر أنه تم الاعتداء علي بعد سجني. وكانت هذه المحطة في حياتي محنة ولكن منحة في الوقت ذاته لأن العالم بأسره عرف أن محمد داكي ليس إرهابيا ولا علاقة له بأي تنظيمات أو أي شيء. كما أن المعاناة كانت نفسية لأن السجن كان انفراديا وأصبت بمرض المعدة، إضافة إلى حزن أمي وعائلتي علي ، وأكبر أذى نفسي سبب لي هذا الملف هو تشتيت أسرتي لأنه بعد دخولي السجن خافت زوجتي على نفسها وطلبت الطلاق فطلقتها، إضافة إلى أنني لم أر ابني منذ اعتقالي، وطليقتي الآن ما تزال تعيش في إيطاليا بعد حصولها على الوثائق وفي حين لم أتمكن أنا من الحصول على وثائقي، فأنا عشت مأساة حقيقية. ماذا تنوي فعله بعد خروجك، هل ستقاضي السلطات الإيطالية؟ بعد خروجي من السجن حجزت السلطات الإيطالية جواز سفري ولحد الآن لم أتسلمه، وما زال لدي الأمل لكي أعود إلى إيطاليا، كما أنني سأتابع إيطاليا قضائيا من أجل تعويضي عن المدة التي قضيتها في السجن الانفرادي وهي 22 شهرا وسأتابع مع المحامي الإيطالي فينير بوراني من أجل استرجاع حقوقي، كما أشكر دفاعي على الخدمات التي قدمها لي وعن قيامها بواجبها على أحسن وجه.