أصدر المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن في نهاية شهر نوفمبر المنصرم تقريرا هو الأول من نوعه حول جبهة البوليساريو ونزاع الصحراء المغربية تحت عنوان: جبهة البوليساريو: شريك مفاوضات ذو مصداقية أم مخلفات حرب باردة وعرقلة لحل سياسي للصحراء الغربية؟. وقد استعرض التقرير الذي جاء في أزيد من ثمانين صفحة بالإسبانية والفرنسية والإنجليزية الجذور الأولى لنشأة هذا التنظيم الانفصالي في ظروف الحرب البادرة، وكيف أنه كان لعبة بيد مجموعة من القوى الدولية والإقليمية لتصفية الحساب مع المغرب وتعقيد عملية استكمال وحدته الترابية، وكشف عن حقائق مهمة فيما يتعلق بالتمويلات والدعم العسكري الذي كان الانفصاليون يتلقونه من عدة بلدان مغاربية وأجنبية. كما كشف التقرير عن ظواهر الفساد المنتشرة في صفوف البوليساريو وحجم الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان الذي مارسته الجبهة داخل مخيمات تندوف سواء على المحتجزين بالمخيمات أو على أسرى الحرب المغاربة، وطالب بمحاكمة المسؤولين من قيادات الجبهة عن هذه الانتهاكات والتجاوزات. وتحدث عن الدور الجزائري في دعم وتزكية البوليساريو، حيث اتهم التقرير النظام الجزائري بالوقوف وراء البوليساريو طيلة السنوات الماضية بسبب الرهانات الاستراتيجية في المنطقة، واعتبر أن دعم النظام الجزائري والضغوط التي مارسها كانت وراء اعتراف بعض الدول في القارة الإفريقية بما يدعىالجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية، متسائلا حول جدوى السعي إلى إنشاء دويلة صغيرة في المنطقة في عصر العولمة. ونظرا لأهمية هذا التقرير الذي ينشرفي ظل ظرفية سياسية حاسمة تجتازها قضية الصحراء، وللحقائق والمعطيات الواردة فيه، نقدم الترجمة الكاملة له على صفحات التجديد. الفصل الثالث: إن السنوات الأولى من عمر البوليساريو هي المرحلة التي عرفت فيها الجبهة بعض الانتصارات العسكرية والكثير من النجاح الديبلوماسي. لقد أعلن عن إنشاءالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية(ج.ع.ص.د) بتزامن مع إنشاء البوليساريو تقريبا، في 26 فبراير 1976 في ندوة صحافية بتندوف في الجزائر. وفي الواقع فإن بنية ال(ج.ع.ص.د) تشبه إلى حد بعيد بنية جبهة البوليساريو، ووجودها وجود نظري، إذ إن نفوذها لا يشمل سوى بضع كيلومترات مربعة في الجزائر حوالي تندوف حيث تقع مخيمات اللاجئين والبنيات التحتية الأساسية للبوليساريو والجبهة، ولكن هذا الوجود الافتراضي سوف يمنح بعدا مختلفا لصراع البوليساريو. 1/4 نجاح سياسي وديبلوماسي مؤكد، لكن محدود: فور إنشائهما عرفت البوليساريو و(ج.ع.ص.د) نجاحا ساحقا لدى طبقة مثقفي اليسار الأوروبي، وبدأت تنشأ لجان الدعم والمساندة في كل مكان وأصبحالحج إلى تندوف موضة must بالنسبة لليسار الأوروبي المعارض للإمبريالية. وعلى الصعيد الديبلوماسي حصدت ال(ج.ع.ص.د) نجاحا سريعا. فمباشرة بعد إنشائها بل في اليوم التالي، وفي 26 مارس ,1976 اعترفت بها عدة دول، ويتعلق الأمر بمدغشقر التي اعترفت بها في 28 فبراير ,1976 وبوروندي والموزمبيق في الأول من مارس من نفس العام، والجزائر في 6 مارس من نفس العام، وأنغولا وبنين في 11 مارس، ووغينيا بيساو في 15 مارس، وكوريا الجنوبية في 16 مارس، ورواندا في 1 أبريل. وفي السنوات اللاحقة التحقت بلدان أخرى بالقائمة وأصبحت ال(ج.ع.ص.د) تتمتع باعتراف 79 دولة. وفي عام 1976 أيضا تم قبولها بمنظمة الوحدة الإفريقية لتصبح العضو الواحد والخمسين، الأمر الذي أدى إلى انسحاب المغرب ثمانية أعوام بعد ذلك من هذه المنظمة الإفريقية، وذلك في قمة أديس أبابا التي حضرها مندوبون عن ال(ج.ع.ص.د) . غير أن هذا النجاح الديبلوماسي رغم كل شيء بقي نجاحا محدودا. فمع استثناءات قليلة(الهند، إيران، المكسيك والبيرو) لم تعترف بال (ج.ع.ص.د) أي دولة كبرى خارج إفريقيا. نفس الأمر بالنسبة للبلدان الاشتراكية، فباستثناء يوغسلافيا التي كانت عضوا في حركة عدم الانحياز، لم تعترف بال (ج.ع.ص.د) من بين البلدان ذات الاتجاه الماركسي رغم إيديولوجيتها المعلنة سوى الدول الفقيرة ذات الأنظمة التي ظلت شبه معزولة(أفغانستان، كوريا الجنوبية، كوبا، إثيوبيا بقيادة منغستو هايلي ماريام، الموزمبيق بقيادة فريليمو، نيكاراغوا بقيادة حركة ساندينيستا، واليمين الجنوبي)، وماذا عن العالم العربي والإسلامي؟ بعيدا عن أفغانستانوإيران الخميني واليمين الجنوبي لم تعترف بال(ج.ع.ص.د) من بين البلدان العربية سوى الجزائر(بالطبع) وليبيا وموريتانيا(1984) وسوريا. أما في أوروبا فلم تعترف أية دولة من المعسكر الشيوعي رسميا بالجمهورية الجديدة، حتى وإن ظلت بعض بلدان المعسكر الشرقي تقدم لها الدعم. لنستمع لشهادة مصطفى بوه:يجب أن نكون واضحين، فحتى وإن كان العدد يثير بعض التشويش حوالي 80 دولة كانت تعترف بنا فإن هذه الحملة الديبلوماسية كانت فاشلة نسبيا. ذلك لأن تأثيرال(ج.ع.ص.د) والبوليساريو كان ضعيفا في العالم العربي والشرق الأوسط، أي في المجال الجيوسياسي الطبيعي لهما، حتى منظمة التحرير الفلسطينية لياسر عرفات لم تعلن أبدا نيتها في ربط علاقات معنا، نفس الملاحظة فيما يتعلق بالمعسكر الاشتراكي، حيث لم تعترف بنا أي دولة من المعسكر السوفياتي، حتى الصين نفسها. وفي الواقع وباستثناء الدول المشار إليها أعلاه، وبعض البلدان البعيدة عن حقائق الصراع وربما المطلعة على الحقائق بشكل سيئ فيما يخص أهداف الجمهورية الجديدة والبوليساريو(نشير مثلا إلى بلدان أمريكا اللاتينية وحوض الباسيفيكي) وبلدان أخرى غير ذات الوزن السياسي(ليسوتو، الكاب فير وغينيا الجديدة...)، فإن غالبية العواصم التي فتحت ممثليات ديبلوماسية لل(ج.ع.ص.د) فعلت ذلك بشكل أخوي فقط وتحت إلحاح الجزائر. لكن بعد عقدين من الزمن قطعت 26 دولة ممن كانت تعترف بال(ج.ع.ص.د) علاقاتها بها أو قامت بتجميدها. ولا يهم أن تحصل جبهة البوليساريو وجمهوريتها الشبحيةجمهورية الرمال على هذه الموجة من الاعترافات وعلى التعاطف الذي أثارته القضية الصحراوية لتحقيق تقدم على الساحة السياسية، عبر دفع الأممالمتحدة إلى أخذ وجودها ومطالبها في الاستقلال بعين الاعتبار. إن عشرات الآلاف من الصحراويين الذين غادروا المنطقة إلى الجزائر في أعقاب المسيرة الخضراء التي أعلنها الملك الحسن الثاني يوجدون في منطقة تندوف حيث القاعدة الرئيسية للبوليساريو والتي ستصبح فيما بعدالعاصمة المؤقتة لل(ج.ع.ص.د)، ومن هذه المخيمات انطلقت التحركات العسكرية للجبهة. 2/4 بدايات عسكرية واعدة: ولكن في سنواتها الأولى راكمت جبهة البوليساريو انتصارات على ساحة العمليات العسكرية أضيفت إلى نجاحها الديبلوماسي. من وجهة النظر هذه يمكن تقسيم التاريخ العسكري للبوليساريو إلى خمس محطات: أولا تطبيق استراتيجية حرب العصابات بنجاح باهر(1976/1974)، ثم بعد 1976 تفوقه الراجع إلى نفس الاستراتيجية والمدعومة هذه المرة باستعمال أسلحة متطورة(1980/1976)، ثم مرحلة الانحسار والمعارك المتقطعة في الزمن أمام الاستراتيجية المغربية الجديدة(1987/1981)، وأخيرا مرحلة الضعف والانقسام داخل الجهاز العسكري من العام 1992 إلى اليوم.