يظهر أن الإدارة الأمريكية ومعها كل الأطراف التي سعت لإستغلال إغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري لتنفيذ مخططاتها ضد سوريا والقوى الوطنية اللبنانية وفي مقدمتها حزب الله قد أخذت تضرب أخماسا في أسداس بعد بدء تصدع التقرير المعد لتمهيد الأرضية للوصول الى أهدافها. المحقق الألماني ميليس وبعد تداعي القواعد التي بنى عليها تقريره التي تدين سوريا، قرر الاستقالة وبعض الدول في الأممالمتحدة دعت الى حل لجنة التحقيق وإنشاء أخرى إذا تطلب الأمر. غير أن بعض الأوساط لا تزال تحاول تجاهل انهيار المخطط. وهكذا وبعد تكثف الضغوط الأمريكية والأطراف المتحالفة معها، قال بيان أصدره المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة مساء يوم السبت إن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان سيسعى لإقناع القاضي الألماني ديتليف ميليس بالاستمرار في ترؤس لجنة التحقيق الدولية. وأوضح البيان أن عنان أبلغ السنيورة خلال اتصال أجراه الأخير به أنه سيبذل كل جهده لإقناع ميليس بالبقاء في منصبه حتى استكمال التحقيق. من جانبها أكدت الولاياتالمتحدة على لسان مندوبها في الأممالمتحدة جون بولتون أنها طلبت من الأمين العام للمنظمة الدولية إقناع ميليس بالبقاء على رأس اللجنة الدولية، معربة عن خشيتها مما سمته استغلال دمشق حدوث تغيير شامل في قيادة اللجنة بحيث توقف تعاونها التام. لكن بولتون أكد أنه طلب من عنان بالمقابل ترشيح خليفة محتمل لميليس إذا ما أصر الأخير على موقفه. من جانبه قال ميليس في حديث إلى صحيفة لوريان لوجور الناطقة بالفرنسية نشر يوم الجمعة أنا لا أستقيل ولا أغادر لجنة التحقيق، عقدي ينص على أن ولايتي تنتهي في الأول من يناير المقبل. وقد أكدت مصادر صحفية ألمانية نقلا عن مصادر بالأممالمتحدة أن ميليس قدم بالفعل استقالته إلى عنان، ونقل مراسل الجزيرة نت في برلين عن صحيفة يونجا فيلت يوم السبت أن عنان قبل استقالة ميليس وأن دوائر بالحكومة الألمانية شعرت بأن الأسلوب الذي يتبعه الرجل في التحقيقات يهدد المصالح الألمانية بالشرق الأوسط. في حين أن مصادر صحفية في برلين أكدت أن المخابرات الألمانية قدمت للمستشارية تقريرا وصف بالخطير يكشف عن روابط ميليس مع المخابرات المركزية الأمريكية وعدد من الاجتماعات التي عقدها مع مسؤولين استخباريين أمريكيين، ونصحت المخابرات الألمانية حكومتها بإبعاد ميليس عن التحقيق قبل أن تنفجر فضيحة أكبر وتتضرر سمعة المانيا خاصة في العالمين العربي والإسلامي. والمعروف أنه من المقرر أن يرفع ميليس تقريره الثاني عن تطور التحقيق في اغتيال الحريري إلى مجلس الأمن الدولي قبل 15 ديسمبر الجاري وبذلك تنتهي عمليا مهمته. الملاحظ أن الأوساط السياسية في بيروت انقسمت إزاء طلب ميليس إعفاءه من رئاسة لجنة التحقيق، فقد اعتبرت بعض الأوساط هذا الطلب دليلا على الشكوك في مصداقية التحقيق، بينما اعتبرت أوساط أخرى أن الأمر يتعلق بظروف شخصية لا يجوز استغلالها للطعن في مهنية التحقيق. سوريا التي نجحت بفضل الشاهد المقنع في توجيه ما وصف بالضربة القاضية لتقرير ميليس تابعت كشف مخططات خصومها تسعى الان لاستباق أي مناورة جديدة من طرفهم. وفي هذا الإطار اتهم مصدر مقرب من اللجنة القضائية السورية المكلفة بالتحقيق في اغتيال الحريري فرع المعلومات التابع للأمن اللبناني، بالضغط على السوريين المقيمين في لبنان لدفعهم إلى الشهادة ضد مسؤولين سوريين. وكشف المصدر عن أن اللجنة ستوجه رسالة إلى القضاء اللبناني لمطالبته بوقف أعمال الترهيب والترغيب التي تقول إن السوريين في لبنان يتعرضون لها. وذكر المصدر إن اللجنة السورية على علم بأن هناك عملية تصنيع شهود جدد ليحلوا محل هسام طاهر هسام، في عملية تركيب الأدلة لمواجهة المسؤولين السوريين الذين سيستجوبون في فيينا، مشيرا إلى أن المعلومات التي وصلت اللجنة تفيد أن الأمن اللبناني يستهدف بالتحديد السوريين الذين عملوا مع ضباط الأمن السوريين في لبنان. وكان هسام الذي اعتبر الشاهد المقنع في التقرير الذي رفعه ميليس، قد تراجع عن شهادته التي أدلى بها أمام اللجنة الدولية، وقال في دمشق الأسبوع الماضي إنه أدلى بهذه الشهادات بالإكراه وتحت الإغراء المالي. وقد أدى تراجع هسام عن شهادته أمام اللجنة الدولية إلى إضفاء شكوك حول مصداقية التحقيق الدولي. وفي لبنان ضعف الجناح الذي حاول مساندة حملة الاتهام ضد سوريا وقد هدد الوزراء التابعون لحركة أمل وحزب الله بالاستقالة من مجلس الوزراء اللبناني في حال تبنيه قرارا يدفع باتجاه تشكيل محكمة دولية في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري قبل استكمال اللجنة الدولية عملها. كما طالب الدفاع عن الضباط اللبنانيين الأربعة الموقوفين بتهمة التورط في اغتيال الحريري بالإفراج عنهم في ضوء شهادة ما عرف بالشاهد المقنع. في حين طالب المندوب السوري لدى الأممالمتحدة فيصل مقداد السلطات اللبنانية بمعاقبة الجهات أو الأشخاص الذين حاولوا رشوة الشاهد هسام طاهر هسام، ودعا لجنة التحقيق بإعادة النظر في النتائج التي توصلت إليها بعد تصريحات هذا الشاهد. العديد من مراكز الرصد في المانيا وخارجها أخذت تحذر من أن المهمة التي حددت للجنة ميليس قد تنقلب شرا على أصحابها وتساعد في فضح المسؤولين الحقيقيين عن اغتيال الحريري. الحريري على القائمة السوداء الحريري قبل وفاته كان يقوم بوساطه مكثفة مع دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها فرنسا لإفشال الضغوط الأمريكية الإسرائيلية الهادفة الى إدراج حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية. وقد أكد هذه المعلومات الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله الذي أعلن بعد 24 ساعة من مقتل الحريري أن رئيس الوزراء اللبناني الراحل كان يجري قبل اغتياله، اتصالات مع أوروبا لتحاشي إدراج حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية كما تطالب إسرائيل. مضيفا كان متفائلا جدا بأن اتصالاته ستجدي نفعا. وأضاف كنا نجتمع في كل جمعة وآخر جمعة مرتين. قبل أن يدخل رفيق الحريري باب السياسة من بابها الواسع في لبنان كان محل اهتمام من جانب اجهزة الاستخبارات الغربية وغيرها وخاصة الموساد الإسرائيلي والمخابرات المركزية الأمريكية وغيرهما. وقد ورد في تقارير للموساد في تلك الفترة أن الحريري عبر شبكته الضخمة من الشركات، كان يقدم مساهمات مالية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأنه يرتبط بعلاقات وثيقة مع نصر الله زعيم حزب الله وياسر عرفات وجورج حبش، ولم يستقر رأي محللي الموساد حول طبيعة هذه العلاقات الخاصة إلا ان بعضهم فسر الأمر بأنه يدخل في إطار الوساطات والصفقات المنجزة في تلك الفترة حين كانت السعودية تتدخل لإيجاد تسويات للصراع الدامي في الشرق الأوسط سواء بطلب مباشر أو غير مباشر من تل أبيب عبر أطراف ثالثة أو واشنطن أو غيرهما. واستقر تحليل هؤلاء في تلك الحقبة الزمنية إلى أن الحريري لم يكن أكثر من واجهة لدور الرياض في الوصول لحلول جانبية في كل مشكلة مستعصية. علاقة الحريري مع الأمير السعودي الوليد بن طلال رابع أغنى رجل في العالم بثروة قدرت في سنة 2005 ب 7ر23 مليار دولار حيرت العديد من أجهزة المخابرات، خاصة منذ أن حاول البعض الربط بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويوركوواشنطن بين الأمير الوليد وأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، وكذلك بين شركات الحريري وتلك التي تمتلكها عائلة بن لادن سواء في السعودية أو خارجها. اتهمت إسرائيل الحريري بعد أن تولى رئاسة الحكومة اللبنانية في سنة 1992 بتبني مخططات سوريا وبتسهيل حصول حزب الله على السلاح من الخارج ورفض كل وساطات للوصول الى تسوية معها بعيدا عن لغة السلاح، وكانت حينها تتصور أنها ستنتصر على المقاومة اللبنانية. كما أتهم الموساد الحريري في بداية سنة 2000 وقبل أشهر من الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان بتقديم ملايين الدولارات الى مؤسسة الشهيد والأسير التابعة لحزب الله والتي ترعى عائلات شهداء المقاتلين وأسراهم. وكانت هذه المؤسسة تتكفل في ذلك الوقت بتدريس نحو 1300 تلميذ وبتأمين المساعدات الطبية لأبناء وأرامل الشهداء وزوجات الأسرى. بل وذهبت أوساط إسرائيلية الى التأكيد أن شركات الحريري كانت تقدم مساعدات مالية وعينية لأغلب فصائل المقاومة الفلسطينية وخاصة فتح وحماس وواظبت على تقديم الدعم لسكان المخيمات الفلسطينية في لبنان.