قدم أمين عام حزب "جبهة التحرير الوطني"، كبرى الأحزاب السياسية في الجزائر، عمار سعداني مساء السبت 22 أكتوبر 2016 استقالته من منصب الأمانة العامة للحزب، في ظل اضطرابات يعيشها "الحزب العتيد" في الجزائر منذ سنوات عديدة. ووصف المراقبون خطوة سعداني ب "المفاجئة"، حيث أنها جاءت أياما قليلة بعد هجوم لاذع وجهه إلى الأمين العام السابق للجبهة ولمدير المخابرات السابق الفريق محمد مدين المعروف ب "التوفيق"، وصل حد اتهامهما للعمالة لفرنسا، وأنهما يقفان وراء الاضطرابات التي شهدتها مدينتا غرداية (صراع الإباضيين مع العرب السنة) وعين صالح (مشاكل التهميش والحقرة والبطالة). وكان سعداني، (67 سنة) الذي تلا استقالته المكتوبة، أمام اجتماع لقيادة الجبهة يوم السبت، وقال بأنها كانت لأسباب صحية، قد تولى منصب الأمانة لحزب جبهة التحرير عام 2013 خلفا لعبد العزيز بلخادم، الذي انتقل بعدها إلى قصر الرئاسة، قبل أن يتخلى عنه الرئيس بوتفليقة بصورة مفاجئة بعد ذلك. وترك سعداني مسؤولية منصب الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير لجمال ولد عباس البالغ من العمر 82 سنة، ليستمر في منصبه إلى غاية مؤتمر جديد للحزب، يتوقع المراقبون أن يكون خلال شهر من الآن. ويختلف المراقبون في قراءة هذه الاستقالة المفاجئة لعمار سعداني، فبينما يراها العضو المؤسس في حركة "رشاد" الجزائرية المعارضة محمد العربي زيتوت، عقابا لسعداني على تجاوزه للخطوط الحمر المتصلة بفرنسا، عند اتهمامه للتوفيق وبلخادم بالعمالة لها، يراها فريق آخر بأنها تمهيد لإعادة تفعيل أدوار كل من مدير المخابرات السابق الفريق التوفيق ورئيس الديوان الرئاسي الحالي أحمد أويحيى والأمين العام السابق للجبهة عبد العزيز بلخادم. وفي لندن أكد الخبير الأمني المنشق عن النظام الجزائري كريم مولاي في حديث مع "قدس برس"، أن استقالة سعداني لم تكن مفاجئة، وأنها نتاج طبيعي لمسار من الصراع المتزايد لخلافة الرئيس الجزائري المقعد. وقال مولاي: "لا أستبعد أن يكون الفريق التوفيق هو المهندس الفعلي لكل هذه الخطوات، وقد اختار هو نفسه الابتعاد ولو شكليا عن المخابرات حتى يعود إليها من موقع أكثر قوة، أي من مدخل الرئاسة، منعا لانزلاق البلاد إلى حافة الهاوية". وأشار مولاي، إلى أن "التقارير الأمريكية الأخيرة، التي تحدثت عن انزلاق الجزائر نحو الانفلات الأمني الذي قد يقود إلى تقسيم البلاد، هي التي تفسر هذه التطورات السياسية والأمنية المتسارعة في الجزائر". لكن مولاي، رأى أن "هذه التحولات ربما تأتي في الوقت الضائع، وأن الآلة الأمنية التي كان بامكانها أن تفرض الأمر الواقع في الجزائر في السابق ليست لها ذات القدرة اليوم، بسبب التردي الاقتصادي الناجم عن ترؤاجع أسعار المحروقات، وأيضا بسبب التطورات الأمنية الإقليمية المتلاحقة، ولا سيما في الجارة ليبيا وانتشار ظاهرة السلاح، ثم وجود قواعد عسكرية فرنسية وأمريكية جديدة في دول الساحل بما في ذلك الجزائر"، على حد تعبيره. يذكر أن حزب "جبهة التحرير الوطني" هي حزب سياسي اشتراكي في الجزائر وكان يمثل الجناح السياسي لجيش التحرير الوطني. بدأ نشاطه بشكل سري قبل 1 نوفمبر 1954، تاريخ اندلاع الثورة التحريرية التي استشهد فيها أكثر من مليون ونصف مليون شهيد. ومنذ تحرير الجزائر عام 1962، أصبح حزب "جبهة التحرير الوطني" هو الحزب الحاكم الوحيد في البلاد إلى غاية أحداث أكتوبر 1988، وإقرار التعددية الحزبية في فبراير 1989 في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد.