تظاهر أكثر من مليون ونصف إسباني يوم السبت الماضي (12 نونبر 2005)ضد مقترح قانون للحكومة الاشتراكية التي يرأسها خوسيه لويز رودريغيز ساباتيرو. ونزل إلى الشوارع آباء وأبناء ومدرسون وأعضاء الكنائس الكاثوليكية الإسبانية محتجين على مشروع قرار يحول التربية الدينية من مادة إجبارية إلى مادة اختيارية. وفي الوقت الذي قال فيه وزير التربية الوطنية ماريا خيسوس سان سيغوندو إن هذا المشروع سوف يدفعنا نحو مستقبل أحسن، وأضاف في ندوة صحافية قبيل المظاهرة وهو يشير إلى طرد التلاميذ الذين يفشلون في دراستهم لأسباب على رأسها الرسوب في مادة التربية الدينية، ينبغي علينا المضي نحو الأمام مثل جميع دول العالم، ولا ينبغي أن نسمح لأنفسنا بإقصاء أي كان. غير أنه بالنسبة لبعض الكاثوليكيين المعارضين لمشروع القانون، وإلى جانبهم المعارضة السياسية، لا ينبغي المس بأقسام التربية الدينية المسيحية الكاثوليكية بنظام التربية والتعليم. وقال أنطونيو مارتينيز كامينو، الناطق الرسمي باسم مجلس الأساقفة الإسبان، إن مشروع القانون الحكومي قانون لا يضمن الحقوق الأساسية للآباء في الحصول على تربية أبنائهم. وحمل الأطفال المشاركون في تظاهرات يوم السبت شعارات منها لا أريد أن يتولى تربيتي ساباتيرو، بينما رفع المتظاهرون الآخرون شعارات مثل لا لقانون وزارة التربية. وكان رجال الكنيسة الكاثوليكية الإسبان قد قادوا، قبل خمسة أشهر، حملة ضد الحكومة الحالية بسبب إقدامها على إباحة زواج الشاذين جنسيا والاعتراف لهم بتكوين أسرة وتبني أبناء. يذكر أن 80 بالمئة من الإسبانيين يعتبرون أنفسهم مؤمنين، رغم أن الالتزام العملي بالإيمان المعلن سجل هبوطا ملحوظا مرورا من 53 بالمئة عام 1981 إلى 35 بالمئة عام .1999 وفي السنوات الأربع الأخيرة انحدرت نسبة الالتزام لدى الفتيان والفتيان إلى النصف، من 28 بالمئة إلى 14 بالمئة، حسب دراسة قامت بها الحكومة ونشرتها في يناير الماضي.ويخوض رجال الكنيسة الكاثوليكية صراعا حادا ضد حكومة ساباتيرو الاشتراكية، ويعتبرونها حكومة علمانية معادية للدين، تسعى إلى إباحة الشذوذ الجنسي والطلاق والإجهاض والبحث العلمي انطلاقا من الجينات البشرية. وكما حدث في الثمانينات من القرن الماضي، مع فيليبي غونزاليز، انتقد القساوسة الهيجان العلماني ودعوا المؤمنين إلى القيام بواجبهم والدفاع السلمي عن قيمهم بكل ما أوتوا من قوة. وفي مطلع الأسبوع الماضي اضطرت تيريزا دو لافيغا، ثاني شخصية بعد ساباتيرو، إلى القيام بزيارة خاطفة للفاتيكان لتوضيح مشروع القانون الخاص بالتعليم، بعد أن سد باب التفاهم مع رجال الكنيسة بإسبانيا. وحسب ما جاء في صحيفة الباييس الإسبانية، تعتبر إسبانيا المشكل الأول لدى الفاتيكان من بين الدول الغربية. في نهاية يناير الماضي، انتقد البابا الراحل جان بول الثاني رئيس الحكومة الإسبانية ساباتيرو بسبب انتهاكاته ضد الحرية الدينية. كثير من المحللين اعتبروا أن اليمين الإسباني استرجع مكانته في الشارع ساحبا البساط من اليسار الاشتراكي المؤيد لمزيد من اللائكية على الطريقة الفرنسية، وتقف الكنيسة الكاثوليكية الإسبانية القوية وراء التحولات الحالية والتعبيرات الرافضة للحكومة الحالية ولا تخفي الكنيسة تأييدها المطلق لليمين الإسباني ورغبتها في إسقاط الاشتراكيين وإعادة اليمينيين إلى الحكم. لنقارن الآن بين حال التربية الدينية عندنا وعندهم، وبين ردود الفعل لدى المواطنين والمسؤولين في بلدانهم وبين المواطنين والمسؤولين في بلادنا. الفرق واحد ووحيد ولا ثاني له: إنه الحرية عندنا وعندهم، والمسؤولية عندنا وعندهم. تلك الحرية التي جاء الإسلام ليقرنها بالمسؤولية ليكونا وجهين لعملة واحدة ويرفعهما فوق كل اعتبار.