عندما يصل رمضان إلى نهايته، يكون قد أوصل العظة والذكرى إلى قلوب المومنين، فذلك الشهر الذي هو قطعة من أعمارنا سينتهي العمر كله كما انتهى، وعندها..سيفرح أقوام وسيندم آخرون، ولات حين مندم، فأما الفرحون في آخر رمضان، أو في آخر الأجل، فهم الذين فازوا بجائزة الرضوان من الرب الرحمان، ولنكبر صورة رمضان المكتمل لتماثل صورة عمر الإنسان المنصرم، فمن قام فيه بواجباته واستغل أوقاته، ورعى الحرمات وجاهد في اكتساب الطاعات، فهو الفائز الحائز على الجوائز، ففي الأثر عن أبي جعفر محمد بن علي مرفوعا قال: من أدرك رمضان صحيحا مسلما، فصام نهاره وصلى وردا من ليله، وغض بصره، وحفظ فرجه ولسانه ويده، وحافظ على صلاته في الجماعة، وبكر إلى الجمعة، فقد صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب. وحق لمثل هذا أن يفرح في شهره، ويحمد الله على ما مر من عمره في فعل الطاعات وترك المخالفات، وهذا الحمد والشكر نفسه طاعة وامتثال لأمر الله عندما أمر بالتكبير في آخر الشهر عند رؤية هلال شوال، حيث يقول: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (البقرة 185). إن المغفرة والعتق من النار كل منهما مرتب على صيام رمضان وقيامه، ولذلك امر الله سبحانه عند إكمال العدة بتكبيره وشكره فقال: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم لعلكم تشكرون) (البقرة 185)، فشكر من أنعم على عباده بتوفيقه بالصيام والقيام وإعانتهم عليه، ومغفرته لهم وعتقهم من النار، أن يذكروه ويعبدوه ويتقوه حق تقاته، فالشكر هنا فرح وعيد بسبب إتمام الشهر والتوفيق للطاعة فيه، وهو امتنان للرحمان بجعل عبادات المسلمين على الإحكام وعصمة التنزيل، غير قابلة للتغيير والتبديل، قال القرطبي رحمه الله: (ولتكبروا الله على ما هداكم) ( البقرة 185)، هداكم لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم. إن من صام رمضان إيمانا واحتسابا، وكذلك من قامه، ومن قام ليلة القدر فيه قد وعد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه مما هو دون الكبائر، وجائزته هذه لا يمكن الاستهانة بها، فالصغائر بكثرتها تزاحم الكبائر في خطورتها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على المرء حتى يهلكنه، وقال لعائشة رضي الله عنها: إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض فيقفون على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه من خلق الله إلا الجن والإنس، يقولون: يا امة محمد، اخرجوا إلى رب كريم، يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله عز وجل لملائكته: ما جزاء الأجبر إذا عمل عمله؟ يقولون: ألهنا وسيدنا، أن يوف أجره، فيقول: إني أشهدكم أني جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي، ارجعوا مغفورا لكم، زاد البيهقي: يقول يا عبادي فوعزتي وجلالي، لا تسألوني اليوم شيئا في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم ولا لدنياكم إلا نظرت لكم.