أثارت كما هو معلوم، المحاولة المتجددة للنيل من مادة التربية الإسلامية من طرف جهات متنفذة في وزارة التربية الوطنية تدفعها حسابات إيديولوجية ضيقة ردود أفعال أولية، تستنكر هذا التوجه الذي لا تخفى خطورته على هوية البلاد ومقوماتها الحضارية وأصالتها التاريخية، وهو توجه بالمناسبة يعمل في واجهات عديدة في المجال التربوي بغرض ما يعتبره تجفيفا للمنابع وإضعافا للخصوصية وقطعا للجذور التاريخية وانخراطا فيما يتوهمه ثقافة كونية وحداثة إنسية. فهم العمل مواد اللغة العربية والاجتماعيات وغيرها بغرض تطويعها وفق المخطط المرسوم، ولم يكن من حل أمام مادة التربية الإسلامية سوى التفكير في تقليص حصصها، وإضعاف تأثيرها حتى لا تفعل فعلها غير مرتين في الشهر في الفترات العادية أو أقل من ذلك في الظروف الطارئة في العطل وأحوال المدرسين، وذلك بسبب المناورة المحدودة في المحتوى والمضمون. وقد همت ردود الفعل الظاهرة لحد الآن الهيئة الممثلة لجمعيات آباء وأولياء التلاميذ، وكذا بعض الهيئات السياسية والنقابية والدعوية والطلابية وبعض العلماء والجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية وكذا من داخل الوزارة ذاتها حيث عمد المفتشون المركزيون والجهويون المشاركون ببوزنيقة إلى تنزيل البرامج بما يناسب ساعتين في الأسبوع للشعب العلمية والتقنية عوض مرة كل خمسة عشر يوما كما نزل عليهم من مديرية المناهج أو من الجهات التي اتخذتها مطية لذلك. وهم الحدث أيضا عددا من وسائل الإعلام الوطنية والدولية بما فيها انتشار المسألة على شبكة الإنترنت، وقد عمد موقع الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية إلى جمع عدد مهم من ردود الأفعال تلك. ولا شك أن هذه الردود ستتوالى وتتقوى مع مرور الزمن وكلما ظهرت بوادر العزم على التنفيذ وإخراج المخطط إلى واقع الفعل، فمن كان يتنبأ بردود فعل الشعب المغربي على الخطة سيئة الذكر؟وهل كان سعيد السعدي مثلا يقدر حجم الرفض الشعبي لأوراقه أو بالأحرى المسودة المملاة من دهاقنة النوع وأعداء الأسرة والقيم الأصيلة؟وهل كان يدور بخلده أن تعصف تلك الأوراق بمستقبله السياسي ليس في الوزارة فحسب، بل ولحقته لعنتها حتى في دائرته الانتخابية ولفظته النخبة التي كان يتوهم ولاءها؟ إنها كرة الثلج التي تكبر بدحرجتها، أو بالأحرى الشرارة التي قد تشعل ما لم يكن في الحسبان، والعاقل من اتعظ بغيره، وقدر الأرباح والخسائر، ونظر في المآلات، ولم يكرر قصة براقش وما جنته على أهلها وذويها. إن نظرة فاحصة وعادلة من ذوي القرار في وزارتنا التي نرجو أن تبقى موقرة، تجعلهم أمام خيارين لا يبدو لهما من خيار ثالث: فإما التراجع عن الإصلاح جملة وتفصيلا وكأن الميثاق لم يسطر والكتاب الأبيض لم ينجز والجهود لم تبذل والأموال لم تصرف، فتبقى مادة التربية الإسلامية وبجوارها الفلسفة واللغة العربية وغيرها كما كانت قبل الإصلاح. وإما أن نمضي في الإصلاح ونعتز بما بذل فيه من جهد وما حشرت له من طاقات وتستفيد منه جميع المواد بما فيها التربية الإسلامية.وليس أن يزاد في حصص بعضها ويقوى من موقعها باسم الإصلاح، حتى إذا تحدثنا عن التربية الإسلامية قلنا للناس إننا لم نغير ولم نبدل ولا يعدو الأمر أن يكون تقنيا بزحزحة ساعة من أسبوع إلى ساعتين كل أسبوعين. ولا شك أن الخيار الأول لا يقول به من بقيت لديه مسكة عقل، ولم يبق غير خيار الاستمرار في تنزيل الكتاب الأبيض بخصوص الفلسفة والعربية والتربية الإسلامية وغيرها من المواد المتماثلة في موقعها من غير تمييز في الحصص والمعامل والامتحانات، استجابة لمنطق العقل وتنزيلا لمقتضيات الكلام المعسول الذي يقال في شأن مادة التربية الإسلامية وبأنها مادة استراتيجية، ونقول فقط افعلوا بالتربية الإسلامية في التعليم التأهيلي الثانوي ما فعلتموه بالفلسفة، ونجاري القول بالتسوية بينهما وإن كنا لا نعتقد ذلك ولا يعتقده عموم المغاربة، وإلا فاستفتوا الناس أيهما أولى لأبنائهم، وستأتيكم صناديق الاقتراع بالجواب الصادق إن كان إيمانكم مستمرا بها وسيلة لحسم الخلاف. وأما التعلل بالعدد الإجمالي للحصص في المسار الدراسي كله، فلكم أن تدخلوا الفلسفة أيضا ليتعلمها أبناؤنا في رياض الأطفال وفي الكتاتيب القرآنية والمدارس الابتدائية ولن يعدم خبراؤكم نصوصا ومحفوظات تلقن للصبيان بجانب آيات الذكر الحكيم.. وليس بعد صوت العقل ومنطق الأشياء، غير ركوب العناد والمكابرة واستغلال موقع السلطة الزائل لا محالة، وإعمالا لمنهج الإكراه ومعاكسة إرادة غالبية الشعب وإعلان العداوة لأصالة الأمة وهويتها وتاريخها وارتماء في أحضان خصومها، ودخولا إلى التاريخ من بابه الأسود، ونحن لا نريد صادقين لمن يشعل الحرب على التربية الإسلامية أن يدخل التاريخ من بابه هذا. ولن يضر التلاميذ أبدا زيادة حصة أو حصتين، حتى نتفرغ جميعا للمشاكل الحقيقية التي يعاني منها القطاع، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل