قدمت فلسطين منذ بداية انتفاضة الأقصى ولغاية الآن نحو أربعة آلاف شهيد، منهم الأطفال والنساء والشيوخ، ومنهم أيضا القادة والمقاتلون، وتختلف قصص الشهداء مع المقاومة والشهادة رغم أن حب الشهادة الوطن والرغبة في الدفاع عنه كانت الدافع لهم. في السطور التالية نستعرض سيرة واحد من شهداء فلسطين قضى في سبيل الله مقبلا غير مدبر إنه الشهيد محمد أبو عودة من مخيم عايدة مدينة بيت لحم. جرئ وقوي ولد الشهيد محمد عام 1973، واستشهد عام 2004 تاركا ولدين و3بنات،. وتقول والدته إنه ترعرع بين إخوته لكنه اختلف عنهم بالجرأة والقوة، والنشاط غير المحدود مذ نعومة أظفاره. وتضيف أم محمد: بدأ الشهيد بالصيام وهو ابن سبع سنين وحرص على صلاة الجماعة في المسجد وقراءة القرآن الكريم، وكان رحمه الله يحب كرة القدم، ويحب الحيوانات الأليفة والطيور، وفي الدراسة كان مجتهدا في دراسته ومحبا لأصدقائه وللناس ومطيعا لوالديه. وقالت: في الانتفاضة الأولى أصيب أثناء الدفاع عن المخيم وبعد شفائه عاد للمشاركة مرة أخرى ولم يثنه ما أصابه ولم يخفه ذلك وظل مشاركا حتى أصيب مرة أخرى وكأن الجيش قد استهدفه شخصيا، ومن ثم تم اعتقاله ولم يستط جيش الاحتلال أخذ أي اعتراف منه، لقد كان صلبا جدا فحكموه بالسجن الإداري لمدة ست شهور، وبعد أن خرج من السجن عاد كما كان لم يخفه ظلمهم وجبروتهم، ثم عادوا واعتقلوه مرة أخرى، ولم يعترف لهم بشيء فحكموه بالإداري ستة شهور مرة أخرى، وخرج ولم يكن همه إلا الدفاع عن أهله ووطنه ودينه واعتقلوه مرة أخرى، وكانت التهمة جاهزة أمامه. وعن شعورها لدى اقتحام شارون المسجد الأقصى بداية الانتفاضة تقول الوالدة الصابرة: اشتعل الغضب بين جنبيه، وظهر ذلك على وجهه البشوش، وبدأ بالتحرك دون أن يدري به أحد، فكلنا نعلم أنه في عمله، وأنه كبر على المقاومة والجهاد وأن أسرته كبيرة لا يستطيع تركها، ومضت السنة الأولى دون أن نعلم بمشاركته في الانتفاضة وأحسسنا في السنة الثانية بانهماكه ولكن لم نعرف شيء كان كتوما جدا علينا. الملاحقة ورفض الاستسلام وأردفت أم محمد قائلة: بعد أن بدأ الجيش مطاردته قلت له يا بني لم لا تسلم نفسك فقال رحمه الله: يا أمي لو كان تسليم نفسي لهم ويحاكموني وحدي ولو عشر مؤبدات لقبلت ولكنهم لا يريدونني وحدي يريدون كل إخواني المجاهدين، وأخذ يصبرني ويقول: يا أمي ألا تحبين الجنة؟ ألم تري الشهداء، وإن كان على أطفالي فلهم الله وعندي زوجه رضي الله عنها ستتكفل بتربيتهم، لقد وعدتني يا أمي لا تجزعي ولا تخافي. والله لن أسلمهم ولو برقبتي هذه وكان يقصد أصحابه من المجاهدين فهو جرب معاناة التحقيق والتعذيب وخاف أن يضعف وكل أسرار أصحابه عنده، كما فهمت فأراد التضحية من اجل حفظ إخوانه والمقاومة وقد وفى. وأضافت عن قصصه البطولية تقول: كان خارج المنزل عند استشهاد شقيقته، ووقتها عندما بدأ القصف أتت ابنتي من مكان سكنها بالقدس الشريف لزيارتنا فهي متزوجة وأم لتسعة أطفال، وبدأ ا لقصف ولم أكن بعيدا عن المنزل فقالوا: استشهدت عايشه فذهبت أركض نحو بيت سلفتي (زوجة أخي) القريبة من بيتي فوجدتها أمام المنزل، فقلت إذن ابنتي، فهما الاثنتان تحملان نفس الاسم فقالوا لي إن محمدا أخذها إلى المستشفى. وتابعت الأم: الجيش استهدف المنزل بوابل من الرصاص في قصف عشوائي مما أدى إلى استشهادها،وعندما سمع محمد أن أخته قد سقطت شهيدة هرول إلى البيت ليحميها ويسعفها رغم وجود الجيش لاستهدافه، لقد كان بطلا جريئا أوصل أخته إلى المستشفى رغم الحصار المفروض على المخيم محاولا إنقاذها ولم يبعد عن المنزل حتى صلى عليها ومشى في جنازتها ثم عاد واختفى، وجاء رمضان وجاء معه محمد مطمئنا على عائلته وليفرحهم بقدوم رمضان غاب مرة أخرى. ودائما كان الجيش يأتي وكانوا يعيثوا في البيت فسادا ويخربوا أثاثه. وتشير الوالدة إلى أن أحد أشقاء الشهيد معتقل في قضية إطلاق نار وحكم ثمانية عشر عاما ومن التعذيب أصبح مريضا عصبيا فأخرجوه إلى المستشفى وهو إلى الآن مريض بالأعصاب. شهم كريم أما زوجة الشهيد محمد فتقول عن حياة زوجها: كان محمد شهما كريما شجاعا، ومع مطاردات الجيش له إلا أننا لم نشعر يوما بالخوف، وهو معنا كنا نشعر أنه حامي البيت ولولاه لقتلونا جميعا، إنه جاء ليله القدر وقام الليل عندي، وأخذ يدعو، وكنت اسمعه يقول: اللهم اجمعني برفقائي في الفردوس الأعلى من الجنة، وكانوا قد استشهدوا جميعا، وبقي هو وحده، كنت أشعر أنه مشتاق للجنة مشتاق للقاء الله مشتاق للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام مشتاق لأصحابه. وتضيف الزوجة المطيعة: عندما كان يأتي للبيت في كل مره لا يعلمون بقدومه، كان يأخذ كل الاحتياطيات الأمنية، ومرة دخلوا علينا البيت فخرج إلى السطح وبقي مختفيا طوال وجودهم عندنا، وكانوا قد جمعوا العائلة كلها في غرفة واحدة، ومكثوا في البيت حوالي أربع ساعات، وخلال تلك الفترة وهم يعلمون أن محمدا موجود في المنزل، ولكن لا يعلمون أين هو، فصعدوا للتفتيش سطح المنزل حيث كان محمدا مختبئ بين الأغنام. وعن هذه الحادثة تقول الوالدة: عندما سألناه أين كنت؟ حلف لها أنه كان فوق رأسه 6 جنود، ولم يعرفوا أنه مختبئ بين الأغنام، ولكن الله أعمى أبصارهم، وأراد أن يحيي محمدا شهورا أخرى، وهذه حكمة الله في خلقه وكن أهله لا يعلمون أين هو، وبعد ما ذهبوا صعد أخوه للبحث عنه، فإذا بالسلاح مصوب إليه، فقال محمد رحمه الله لولا فضل الله علي لكنت قتلتك خطأ. شهادة وبطولة أما الزوجة فتقول عن مسيرتها مع زوجها الشهيد: مضت الأيام صعبة علينا حيث كان الجيش يأتي تقريبا كل يوم ويعيثون في البيت فسادا، وآخر مره قبل استشهاده بأيام، أخرجونا من البيت ومكثوا فيه عدة ساعات لوحدهم، ثم خرجوا ولم يعودوا، إلا في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك. وفي هذا اليوم جاء محمد وقد أخذ كل الاحتياطيات اللازمة، كما عهدناه، بعد دخوله بعشرة دقائق تقريبا جاؤوا بسيارات عربيه، وما هي إلا دقائق حتى امتلأ البيت بالجيش وحاصروا المنزل وحاصروا المنطقة فطلب محمد مني النزول عند والدته مع الأطفال فرفضت في البداية أن اتركه، فودعني وودع أطفاله وأوصاني عليهم. وتضيف: ما أصعب من هذه اللحظة في حياتي حيث قال لي: إذا طلبوا منك الصعود فلا تصعدي سوف يستخدمونك درعا ولا أريد أن تصابي بأذى هي وجنينك بالشهر الثامن. ثم قال: لن أسلم نفسي سوف أقاتلهم بكل ما أوتيت من قوه لن أدعهم وإذا بأمه تأتي وتأخذني تحت زخات الرصاص نحونا، ولكن الله كتب لنا العيش، ولم يأتي أجلنا بعد ونزلت فإذا بهم يحاولون أخذي معهم، إلى فوق إلى محمد، فقاومت بقدر استطاعتي فذهابي معهم معناه قتل محمد وأغشي علي. وتقول والدته: صرت أصيح وأكبر أين أمة الإسلام؟ أين العرب وأخذت الحمية؟ محمدا فقتل أول جندي والثاني والثالث أمام عيني، واستمرت المعركة وسيطر على الموقف وانتشروا خوفا من محمد، واستمرت المعركة فهربوا خارج المنزل ولحقهم إلى خارج المنزل من فجوة حدثت من أثر الرصاص وأكمل على من استطاع من الجيش، وإذا برصاصة تشق رأسه وسقط شهيدا بعد ما قتل تسعة منهم، وأصاب العديد واعتقلوه بعد استشهاده وهدموا ما بقي من المنزل . وتتابع الوالدة عن قصة استشهاده: نعم لقد رحل رجل المنزل ولا يوجد من يدافع عنه،ولكنه رحل بعد انتصار كبير ووفّى وعده، فقد كان ينتظر وما بدل تبديلا رحل كما تمنى، ودعا في ليلة القدر فكم كان مشتاقا للقاء الله، لقاء رسوله، ولقاء من وعدهم من أصحابه، نعم هاهو يرتفع فوق رؤوس اليهود رغم أنوفهم جميعا، وجروا وراءهم هزيمتهم راحوا مخذولين فقد اعتقلوا جثته أما الروح فقد سمت إلى جنة الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. أوفى ما وعد بدورها تقول الزوجة عن شعورها في غيابه: أوفى الشهيد بما وعدني به، فقد وعدني أن أكون ملكة الحور العين، فقد كان يقول: سأتزوج اثنين وسبعين حورية، ولكن ستكونين ملكتهم، وبعد شهر تقريبا، وضعت سندس التي كان في انتظارها، وقد أوصاني أن اسميه سندس اشتياقا منه لسندس الجنة، واعتقلوا الشهيد جارين وراءهم ذيول الهزيمة سارقين ما تبقى من ذخيرة وسلاح لمحمد، ولكن بعد استشهاده لم يستطيعوا النيل منه بل نال منهم جميعا ذلك البطل المجاهد المقدام، هذا هو محمد معتقل وهو شهيد لأنهم لم يشفوا غليلهم فيه والعكس فقد شفى غليله هو وأمه وزوجته وشفى غليل المؤمنين بأذن الله بأمر من الله واعتقلوا الشهيد. تحقيق الوصية وما أن خلص الناس من تقديم التهاني حتى بدأت أمه منهمكة على تحقيق وصيته، وبهذا الصدد تقول: تذكرت وقتها كيف نام في القبر، وقال لي: انظري أمي إلي هكذا سيكون جسدي، أما روحي فليست هنا انظري أمي: هل مقاسه مناسبا لطولي؟ وكان قد حدد مكان دفنه ولكن اليهود أرادوا اعتقاله. ورفعت أم الشهيد قضية على الجيش مرة تلو الأخرى، وكانوا يرفضون تسليمه وبعد ثمانية شهور طلبت إدارتهم من أخواته فقط أن يذهبن للقاء أخيهن في مستشفى أبو كبير، ويتعرفن على جثمانه الطاهر فوجدن يده وكأنها تمسك بالسلاح، وسبابته كأنها تضغط على الزناد، فأيقن أنه قتل دون أن يلقي سلاحه، ودفنه اليهود في مقابر مخصصة للشهداء المعتقلين. وواصلت الأم جهادها لتعيد ابنها الشهيد فقد كان كل همها أن تنفذ وصيته فكل فلسطين هي أرضه، ولكنها الوصية التي كانت تقض مضجعها فطلبت من أخته رفع القضية باسمها فهي تحمل الجنسية الإسرائيلية لأنها تسكن القدس، ولأن الذي رفعها إسرائيلي الجنسية قبلت محكمتهم القضية وبدأ عرس الشهيد من جديد وتدخلت مؤسسات حقوق الإنسان وبدا العرس وحكمت محكمتهم بالإفراج عن الشهيد وبدأ العرس. تحقيق أمنيته حمل الشهيد من أرضه التي دفن فيها، ودخل بيت لحم من جديد وبدأ العرس و تقول الأم: منعوني من رؤيته خوفا علي ولكني لم آبه لهم ودخلت عليه، وضممته إلى صدري بقوه أقصد حضنته وهو نائم، وشعرت كأن النار التي في قلبي قد بردت، وأحسست براحة كبيرة، وكأنه قد بادلني العناق فقبلته في جبينه وبدأ العرس، و ها هو جثمانه يتبختر في طريقه حيث تمنى ويا لكرامة الله سيعود إلى أصحابه كما تمنى وبدأ العرس وبدأت الجموع تسير وراءه وراء القائد العظيم. وتضيف الوالدة: هتفوا وغنوا، وقلبي فرح جدا، كيف لا؟ وأنا أرى انتصاراته بأم عيني، فحياته انتصار وموته انتصار أغاظ العدو، حتى وهو جسد بطل لم أرى له مثيلا ووصلنا مخيم الدهيشه، وكأني به رافع رأسه هاتفا الله اكبر حافظ على صلاة الجماعة في حياته حتى وهو مطارد لم يتركها حيثما حل وها هو الآن يدخل المسجد من جديد رغم أنف يهود.