في إحدى الولاياتالأمريكية تم وقف بث برنامج للأطفال بعدما اشتكت رابطة جمعيات الآباء من إحدى الحلقات التي قدمت مضامين أساءت للطفولة الأمريكية وفي مصر رفضت هيئة الإذاعة والتلفزة عددا من المسلسلات بمافيها الدينية والبرامج التي لا تستجيب للشروط التقنية والفنية وتفتقد لمعايير الجودة. في كل تلفزيونات العالم التي لا تمتد إلى جيوب مشاهديها مثلمايمتد تلفزيوننا ويتطاول على المغاربة الدروايش تحت مسمى الضريبة على القطاع السمعي البصري، التي تؤدى عن المساجد والموتى في المقابر وكل بيت يملك مصباحا حتى وإن كان يدويا. في كل هذه التلفزيونات يوجد حد أدنى من احترام المشاهدين إلا تلفزتنا المحترمة جدا التي قدر لها أن تحتفي كل موسم رمضان بالرداءة والابتذال وتقدم السخافة تحت عنوان السيتكوم وبلون الفكاهة في أوقات ذروة المشاهدة . إن سلسلة كعائلة محترمة جدا تفتقد لخط ناظم يربط بين تلك المواضيع المفككة، حيث يكتفي الممثلون بترديد بعض النكات البائتة وتصريفها بشكل عشوائي مطبوع بالسطحيةوالنمطية وباجترار مواضيع مستهلكة تخلو من أي لمسة إبداع أوقيمة فنية إلا من إيماءات أقرب إلى حركات الكلوناتأوروبوهات آلية مصطنعة تحاول أن ترسم الابتسامة على شفاه المشاهدين ولوعلى حساب القيم والضوابط الأخلاقية . إن هذه السلسلة تعطي نموذجا سيئا للعائلة المغربية وتقدم صورة نشازا عما تعيشه الأسربشكل عام، فبدل إظهار قيم التكافل والإخاء التي تسود بين أفراد الأسرة الواحدة تكرس هذه السلسلة مظاهرالفرقة والشتات وعدم الاحترام؛ فالأب لا يملك سلطة على أبنائه الذين يتجرأون عليه في مواقف كثيرة دون اكتراث بتوجيهاته وبنعته أحيانا بألفاظ خالية من معاني الأبوة والاحترام، كماأن السي سعيدهذا يريد أن يقدم في هذه السلسلة صورة الأب المنفتح، غير أن انفتاحه ينقلب إلى انحلال خاصة في حديثه مع ابنته وجاره محمد بصطاوي عن (حرق المراحل )! وينسى الأب أيضا أنه أستاذ جامعي لمادة الفيزياء والكيمياء بكلية العلوم، كما تقدمه الورقة التقنية لهذه السلسلة، فيتحدث عن انزعاجه من تكاسل التلاميذ في المدرسة وعن المفتش الذي سيزوره، ..فهل يوجد مفتش وتلاميذ بالجامعة ؟وكيف لأستاذ جامعي لمادة من العلوم الدقيقة أن يسترشد بوصفة طبية اقترحتهاجارته ليستعيد بها شبابه؟ الأمرالذي يعطي الانطباع بسيادة الارتجالية وتفكك الحوار وافتقاده إلى الضبط المنطقي في الأداء . أما الابن احسينة (عزيز الحطاب) الذي كان متفوقا في أعمال سابقة (فيلم قسم 8و...) فلم يكن الحظ الفني حليفه في هذه السلسلة، حيث اكتفى بالتواءاته وحركاته الخشبية مقدما لجيل ما بعد إلفيس بريسلي نموذجا لفرد متهوريفسد ولا يصلح؛ فقد عطل جهازالكمبيوتر لأخته وثلاجة المنزل وألحق أعطابا بالطاولة الكبيرة التي يتحلق حولها أفراد الأسرة، وفي الموضوع ذاته يقدم المخرج عصام كفرد يتوهم أنه طبيب بعد رسوبه سبع سنوات بالسنة الأولى بكلية الطب، فهل توجد جامعة في العالم يسمح قانونها ومنهاجها الدراسي برسوب الطلبة سبع سنوات في هذا المستوى ؟،وكيف لطالب ألا يميز بين قرص مهدئ لآلام الرأس وبين محلول كيميائي خطير؟ وهل ما يقدمه عصام الطبيب لمرضاه له علاقة بأدبيات وأخلاق مهنة الطب من قسم أبقراط إلى قسم الدكتور عصام. إن سلسلة كهاته يريد كل شخوصها أن يتقمص دور البطل بغرض الإضحاك الفج، تستبلد المشاهد المغربي وتحط من ذائقته الفنية وتزجي به في الإسفاف حتى لو استنجدت بالفنانين المطربين كفاطمة تيحيحيت وعبد الوهاب الدكالي أو توسلت بمشاركة بعض الفنانين المميزين كمحمد بصطاوي وعبد القادر لطفي اللذين يقدر لهما الجمهورظروف سبب المشاركة، لكنه لا يعفيهما من المتابعة النقدية جراء المساهمة في نشر الرداءة والضحك المجاني على مواطنين يدفعون الضرائب ثمنا لهذا الابتذال . إن رمضان جاوز النصف والحلقات نيفت على العشرين ولم نستطع أن نتلمس من خلال هذه السلسلة بعض الإشارات الإيجابية أو الانتقادات الموضوعية للظواهر السلبية التي يطرحها السيتكوم طرحا أعمى خاليا من أي مقاربة فنية أو معالجة اجتماعية . شيء جيد أن تولي القناة الثانية الاهتمام للإنتاج الوطني وتخصص هذه السنة للاحتفاء به ، ولكن هذا لا يعني أن تشرع الباب لإنتاجات آخر لحظة وتحتفي بنصوص يخطها كتبتها قبيل العصر لتصوروتعرض بعد أذان المغرب وتقدم لمشاهد يتجرعها مرة ممجوجة مع الحريرة وشيء من مأكولات مائدة الإفطار. إن من حق هذا المشاهد الذي لم يعد مرتهنا للضرتين التلفزيتين الأولى والثانية، أن يطالب بأعمال فنية ترقى إلى ذوقه وبإنتاج تلفزيوني يشده إلى هذه الأعمال بدل الزابينغ بين القنوات الفضائية التي استعاض بها كثيرمن المشاهدين عن قناتنا التي أرادت أن تعطينا دروسا في الاحترام العائلي فقدمت لنا نموذجا سيئامتخيلا لإحدى العائلات التي لم تحترم نفسها فأحرى بها أن تحترم الآخرين وحرقت المراحل لتفرض علينا كما لو كانت عملا ينتمي إلى الفن . رحم الله زمانا ولى، كنا نموت فيه ضحكا منمي الهرنونيةومن سكيتشات عبد الرؤوف من غير أن يتقاضى الفنان أحيانا أجرا عن عمله وإنما أجره على الله ثم على المشاهدين، وهزل الزمان الذي يعوض فيه من يضحك علينا ويستغفلنا ويستبلد ذائقتنا بمبالغ وصلت إلى450 مليون سنتيم، تهدر من المال العام .من غير حسيب ولا رقيب. فهل تملك دوزيم الجرأة لوقف هذه السلسلة /المهزلة كما أوقفت في رمضان المنصرم سلسلة تيليبوتيك أوعلى الأقل الإقرار والاعتراف بضعف مستواها الفني، كما اعترف السيد مصطفى بنعلي ذات مساء بتسرع القناة الثانية بقبول مسلسل وجع التراب الذي بدأ لكي لا ينتهي.. والاعتراف بالخطإ فضيلة.