في عصرالسرعة والفضاءات المفتوحة، تقلصت سرعة إيصال الأخبار وقنوات التواصل بين البشرية، فكل شيء أصبح ينجز في أقل وقت ممكن، فالسفر الذي كان يستغرق أياما وشهورا تم قطع أشواطه في ساعات معدودة. والأخبار باستعمال آليات التواصل الحديثة، تتناقل بشكل أسرع، فمن أقاصي الأرض يتحادث الناس بينهم ويدردشون عبر الشبكة الإلكترونية كتابة وسماعا ومشاهدة في وقت واحد، وهذا من نعم الله أن أقدرالإنسان على هذا، وعلمه الأسماء كلها ليعمرالأرض. حتى المعدة اختيرت لها وجبات سريعة تتناسب مع هذه السرعة، وانتشرت محلاتها بإعلانات كبيرة. وعوض أن يستثمر المسلم تلك السرعة، التي توفر الكثير من الوقت والجهد في الاجتهاد في الطاعات، تأذت عباداته بها، فكل عبادة أصبحت تؤدى على عجل، ونحن نعيش أجواء رمضان الفضيل يمكن أن يلحظ أحدنا السرعة الفائقة لوسائل النقل قبيل آذان المغرب، والتزاحم الشديد على الحافلات وسيارات الأجرة، فالذهن مشغول بمائدة الإفطار والاجتماع مع الأسرة حولها أكثر من انشغاله باحترام علامات المرور أو الحفاظ على ترتيب الطابور، وقد يستغل بعض السائقين الظرف لابتزاز بعض المتسرعين أو ذوي الحاجة.. كما أن بعض الصلوات تأقلمت مع هذه الأجواء الرمضانية السريعة بشكل لافت، فبعد آذان صلاة المغرب يقوم الإمام للصلاة مباشرة أو بعد زمن يسير من باب التيسير على الناس في إحياء سنة التعجيل بالإفطار، ويختار للصلاة سورا قرآنية قصيرة تجنبه انتقادات المصلين المستعجلين، وكذلك الشأن بالنسبة لصلاة الصبح، فبعد الآذان تقام الصلاة دون منح المتأخر فرصة أداء رغيبة الفجر، بخلاف الأيام السابقة من رمضان التي يتم فيها تأخر صلاة الصبح بربع ساعة على الأقل، وكأن القائم بذلك يقول للمتأخرين قليلا أن صلاة الفجر حق لمن قام لصلاة التهجد قبل الفجر مع الإمام فقط. ويكاد هذا الأمر يسري سلوكا معتادا في كثير من مساجدنا، وصارت الأمور عادية في ضرورة التكيف مع هذه السرعة الملفتة، التي لا يبقي للصلاة خشوعها وطمأنينتها، حتى عاد بعضنا لا يبقيه بالمسجد إلا تسليمة الإمام، ليهرع خارجا وكأنه كان جالسا على شوك، دون أن يذكر ربه بالباقيات الصالحات، ويخرج من هذا الحكم ذوو الأعذار والحاجات المستعجلة. إن الوضع يحتاج فعلا إلى وقفة تأمل، فالصلاة عماد الدين وهي ثان أركان الإسلام، وأداؤها بشروطها وأركانها يصلح الإنسان باطنا وظاهرا، ويحسن علاقاته بالآخرين وبربه، وأفضالها كثيرة أن تعد، فعلى الإمام أن يمنحها ما تستحق من قراءة وخشوع باعتدال ووسطية، لا تأخذه في ذلك نظرات المستعجلين وانتقاداتهم، ولا تضيق بصلاته القلوب المؤمنة بتطويل ممل. كما على المصلي أن يقارن وقته الذي يقضيه أمام المائدة أو أمام التلفاز أو في الأحاديث الفارغة بوقت عبادته، فالمؤمن فطن كيس، وهو يصوم أو يعمرالمسجد للصلاة، وهوإذ يقوم بذلك يعلم أن الله أكبر أي أكبرمن مشتهيات النفوس، وبذلك يقي نفسه الاستعجال المذموم.