نضع أيدينا على قلوبنا كلما بادرت دولة من الدول العربية إلى اتخاذ خطوة تتعلق بالشأن السياسي الداخلي أو الخارجي المتصل بقضايا الأمة في فلسطين أو العراق، أو تتعلق بالشأن الديني بمختلف تفاصيله، والسبب هو الخوف من أن نكون إزاء خطوة تجريبية بدأتها دولة أكثر جرأة على مواجهة الرأي العام ستتبعها دول أخرى أقل جرأة، لاسيما حين نتأكد أننا إزاء ضغوط خارجية؛ أمريكية في الغالب، تدفع في ذلك الاتجاه. نقول ذلك بمناسبة شروع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي بالمغرب في تقليص عدد ساعات التربية الإسلامية في المدارس الحكومية من ساعتين في الأسبوع كما هو منصوص عليه في وثيقة الكتاب الأبيض في الشعب العلمية والتقنية إلى ساعتين فقط كل أسبوعين، أي بنسبة خمسين في المائة، وذلك بعد خطوات مماثلة سبقتها إليها الجزائر، وربما دول أخرى فعلت ذلك من دون ضجيج. والحال أن ساعتين في الأسبوع بالنسبة لمادة التربية الإسلامية لا تبدو كافية بحال من الأحوال، لكن ذلك هو ما تم التعارف عليه خلال المرحلة السابقة، والذي سيتغير تبعاَ لمرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول، تلك التي تبحث في المناهج والأفكار عن مكامن الإرهاب الإسلامي، وبالطبع بعيداً عن الإجابة الحقيقية لسؤال لماذا يكرهوننا؟، ذلك الذي لا صلة له بالمناهج والأفكار قدر صلته بالسياسة والمواقف السياسية. لعلنا نسأل هل تخرّج منفذو عمليات الدارالبيضاء من المناهج الدراسية المتطرفة، أم أنها الظروف الموضوعية التي تنتج العنف، وهل إن تعليم الطلبة في المدارس أبجديات دينهم وتاريخهم وسيرة العظماء في أمتهم هو تحريض على الإرهاب، أم أنه جزء لا يتجزأ من صناعة الشخصية السوية القادرة على التعامل مع مجتمعها بأخلاق الإسلام؟! هل ثمة دين يحض على الأخلاق الحسنة والقيم الإنسانية الرائعة ويخلق الإنسان الفاعل والمنتمي لمجتمعه وأمته كما هو حال دين الإسلام، فلماذا إذن يراد حشره في دوامة العنف الذي تنتجه ظروف موضوعية معروفة بصرف النظر عن غطائه الفكري، بدليل أن العنف في زمن ما كان يسارياً وفي آخر قومياً، وهو الآن في الولاياتالمتحدة مسيحياً بروتستانتياً، فيما كان كاثوليكياً في إيرلندا، وكان وما يزال يهودياً متطرفاً في الدولة العبرية؟! هل يعقل أن يتخرج الطالب من مدرسته فيما هو عاجز عن فهم أبجديات دينه، فضلاً عن حقائق تاريخ أمته، ولا تسأل بعد ذلك عن عجزه عن قراءة كتاب ربه على نحو معقول ؟! ثم من هو الذي يحدد مضمون المناهج التي ستنتج العنف والإقصاء، مع أنها ليست كذلك في أي حال، أليست هي الوزارات المعنية، أم ترانا نقر بهذا الفعل أن الدين الإسلامي منتج بطبعه للعنف بصرف النظر عن طريقة تدريسه، وأن القرآن الكريم يقصي الآخر ويدعو إلى قتله في كل الأحوال؟! إن الواقع الذي يجب الإقرار به هذه الأيام هو أن هجمة على المناهج الدينية والتاريخية ما زالت تتصاعد، وما جرى في المغرب يمكن أن يتكرر في أي بلد عربي وإسلامي إذا لم تبادر القوى الحية في الأمة إلى التصدي لهذا التوجه، لاسيما وأننا إزاء أنظمة لا تحتمل الكثير من الضغوط الخارجية ويمكنها أن تتراجع في أي ملف مهما كانت أهميته. إنها حرب على الدين والتدين، وهي كما سبق وأشرنا مراراً، إعلان موافقة على النظرية الصهيونية حول المستنقع والبعوض، والتي خلاصتها أن من العسير محاربة البعوض من دون تجفيف المستنقع، وما دام البعوض هو الإرهاب، فإن المستنقع هو الإسلام أو الدين الذي ينتج التدين، فيما ينتج التدين التطرف أو الحركات الإسلامية المتطرفة وبالتالي العنف أو الإرهاب. من المؤكد أن بوسع المجتمع الحي الرد على حرمان الطلبة من معرفة دينهم من خلال المدرسة بتمكينهم من معرفته من خلال البيت أو المسجد أو التجمعات الشعبية، لكن ذلك لا يغني عن مواجهة المنطق الأمريكي ومخرجاته في العالم العربي والإسلامي ، لاسيما وهو منطق سيواصل التمدد إذا لم يرد عليه، ربما وصولاً إلى اعتبار القرآن الكريم كتاباً للتحريض على الإرهاب!!