في إعصار كاترينا لم تفقد الولاياتالمتحدة من الضحايا سوى أقل من ألف وخمسمائة شخص، فيما يبدو أن عدد ضحايا الزلزال الأخير في باكستان سيتجاوز الثلاثين ألف قتيل وأضعاف هذا العدد من الجرحي، فضلاً عن المشردين، ما يعني أن الكارثة هاهنا أكبر بكثير منها هناك حتى لو قيل إن الخسائر هناك بعشرات المليارات فيما هي هنا بعشرات أو مئات الملايين تبعاً للفارق الرهيب في مستوى المعيشة بين الدولتين. في مواجهة "كاترينا" قدم العرب بسخاء منقطع النظير، إذ وصلت تبرعاتهم المعلنة وغير المعلنة إلى ما يقرب من ملياري دولار، وحين نتحدث عن ملياري دولار عربية، فهي كذلك بالفعل، خلافاً للحال عندما يقال إن الولاياتالمتحدة قد تبرعت لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية أو تلك بعشرين مليون دولار، ذلك أن ما يصل حقيقة منها لا يزيد عن خمسة ملايين دولار في أحسن التقديرات، فيما لا يتجاوز المليونين بحسب تقديرات أخرى، إذ تشير الإحصاءات التي تعنى بالعمل الإنساني إلى أن ما بين 75% و 90% من قيمة التبرعات تذهب للمصاريف الإدارية، وهو ما يتكرر في الحالة الأوروبية أيضاً. الآن، وعلى رغم العلاقة المتينة التي تربط برويز مشرف بواشنطن، لاسيما بعد خطوته الأخيرة تجاه الدولة العبرية، فإن ما يتوقعه البعض من مساعدات أمريكية يبدو مجزياً، لكن واقع الحال لم يكن كذلك إلى الآن ولن يكون بحسب معظم التقديرات. من هنا يمكن القول إنه، وعلى رغم معارضتنا لسياسات برويز مشرف، إلا أن ذلك لا يحول بيننا وبين المطالبة بمساعدات عربية عاجلة للباكستانيين، ذلك أن ما قدمته بعض الدول العربية للأمريكان لا بد أن يكون مثار تندر من قبل المسلمين إذا لم تبادر هي ذاتها إلى تقديم دعم مماثل لإخوانهم في باكستان من أجل مساعدتهم على مواجهة ما حل بهم من موت ودمار. ثمة حاجة لأن يشعر الفقراء الباكستانيون أن إخوتهم في الدين والعقيدة قد تفاعلوا مع نكبتهم، لاسيما وهي تحدث في أجواء شهر رمضان الفضيل، ما يحتم أن تتجاوز التبرعات الدول لتشمل القوى والحركات ومؤسسات المجتمع المدني. نعم، هناك حاجة لأن يستعيد المجتمع الإسلامي تكافله الطبيعي بعيداً عن أجواء الدولة القطرية، وما من شك أن البث الفضائي سيتيح أمراً كهذا، فيما ستترك هبات التضامن آثارها على وحدة المسلمين الروحية، حتى لو لم تفعل الدول الكثير، مع أو واجبها يبدو أكبر، وبخاصة الدول الغنية، وتحديداً تلك التي بادرت إلى التبرع للولايات المتحدة في مواجهة إعصار "كاترينا" مع أنها لا تستحق ذلك بعيداً عن المشاعر الإنسانية في التعاطف مع المنكوبين بصرف النظر عن جنسهم ولونهم، لأن دولة تصرف عشرة بلايين دولار شهرياً على مشروعها الإمبريالي التوسعي في العراق لا يمكن أن تكون مستحقة للمساعدة من أي أحد، ولعل ذلك هو سبب توجه النقمة الشعبية نحو جورج بوش وإدارته. نتمنى أن نشهد خلال الساعات والأيام القادمة مبادرات عربية وإسلامية، رسمية وشعبية على صعيد التضامن مع المنكوبين في باكستان وكشمير، وألا يترك الأمر للولايات المتحدة والدول الغربية التي تقدم على صعيد الدعاية والإعلام أكثر مما تقدم على أرض الواقع.