هذه القصة تتكرر فصولها المضنية كل يوم داخل مرافق الإدارات العمومية ويتجرع مرارتها آلاف المواطنين البسطاء كلما وطئت أقدامهم باب بعض هذه الإدارات، وبالطبع تختلف درجة البشاعة من إدارة لأخرى فبعضها الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود، إذ قد لا تكفي السنوات للحصول على المراد الذي قد لا يكون سوى مجرد إصلاح خطأ في الاسم أو تاريخ الميلاد أو ما شابه ذلك مما تتوقف بموجبه مصالح حيوية للمواطن. وللإشارة فإن الأخطاء في الوثائق الإدارية أو ضياع الملفات كانت وما تزال عاهة مستديمة تدخل المواطنين الضحايا في متاهات لا أول لها ولا آخر، كثيرون ممن ليست لديهم وساطات داخل إدارة ما ينتابهم القلق وهم يقصدون مؤسسة عمومية لقضاء مصالحهم ويجدون أنفسهم أمام معادلة صعبة، فبالقدر الذي يفقد الموظفون النزهاء القدرة على الإبداع لحل مشاكل المواطنين الإدارية ويتعرضون للتهميش، بالقدر الذي تزدهر شبكة من الموظفين/السماسرة المتعددي الاختصاصات القادرين على الحسم السريع في كل الملفات مهما كانت شائكة ولكل ثمنه! لسنوات، ظلت وثائقي المتعلقة بالضريبة على النظافة تأتي باسمي، لكن بعنوان أحد جيراني. وقد زرت الإدارة المعنية مرات للتنبيه على هذا الخطأ ثم ظننت أنه يوما ما سيصححون الخطأ ذاتيا فلكل موظف حاسوب في وزارة الجبايات!، لم يحدث هذا وعندما اضطررت إلى تسوية الخطأ لارتباطه بتعاملات أخرى لها طابع استعجالي، علقت أنا وملفي بطريقة تراجيدية. عطلت مصالحي، وخصمت من إجازتي السنوية أياما، وكبدتني نفقات إضافية، حيث حار الحائرون فالإسم اسمي والعنوان ليس عنواني، والقضية تبدو خطيرة، فأين ذهب عنواني؟!< اقترحوا علي إحضار شهادة السكنى ثم بدا لهم أنها غير كافية وعلي إحضار وثائق أخرى غير معروفة ربما لا تنجزها أية إدارة بالمغرب! بدا لي أن البث في النازلة صعب وقد يحتاج إلى قرارات من مجلس الأمن...! من شدة الألم والغيظ والاستياء هرب النوم من عيني، وانتابتني الكوابيس وكل أعراض الانهيار العصبي، إذ كيف يعقل أن أتحمل مسؤولية خطأ الإدارة بكل هذا التعسف، وقوف طويل في الطابور.. وانتظار أطول لموظف ما خرج ولم يعد.. والعودة بخفي حنين. وبعد اعتماد التوقيت المستمر بمجرد ما تؤشر الساعة إلى الثانية بعد الزوال حتى يكفهر الجو وتتلبد السماء بالغيوم ويقطب كل ذي جبين جبينه، ويصبح كلام الموطن مع موظف ما كلفح النار... ويغدو كل شيء قابل للاشتعال! فكرت في أن أرفع دعوى ضد هذه الإدارة. وفكرت في أن أعتصم داخلها وربما كنت سأفكر في الإضراب عن الطعام... وأخيرا قررت أن أبحث عن عنواني بنفسي، ذهبت عند جاري الذي تحمل وثائقي عنوانه، ولسوء حظي قالت لي زوجته أنه سافر إلى وجهة غير معلومة ولم يترك لها أثرا من المستندات التي يمكن أن تساعدني من قبيل عقد شراء العقار أو غيره، ومع ذلك توسلت إليها أن تنقب في بيتها عن كل الوثائق التي تحمل العنوان /المشكلة. ودخلت المصلحة مدججة بحزمة من الأوراق لإقناع المكلفين بعدالة قضيتي قيل لي أن ما فعلته سيساعدهم، ولكن اعتقد أن الأمر كان سيحتاج إلى مداولات وفتاوى جديدة، كنت سأضطر بموجبها إلى زيارة ديوان المظالم لولا أن جهة ما تدخلت لانصافي ولولاها لبقيت بدون عنوان! تساءلت بحرقة، ترى ماذا يفعل بالأميين والعجزة ومن لا نصير لهم داخل الإدارة!؟ وانطلاقا من واقع يشهد بمدى الاضطهاد والعنف المادي والمعنوي الذي يتعرض له الأفراد داخل كثير من الإدارات، فإن وزارة تحديث القطاعات المكلفة بتحسين المنتوج الإداري مطالبة بتأسيس مراكز استماع لتقديم الدعم النفسي لضحايا الإدارات، وجبر ضررهم، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر...