ليست هذه هي المرة الأولى أو الأخيرة التي يتعرض فيها الدكتور يوسف القرضاوي لحملات المغرضين والمتحاملين من أبواق المستبدبن، أو من مجموعة من خونة المثقفين، أومن قلة شاردة من المتصهينين،أو من ملل السلفيين ونحلهم،ذوي الارتباطات المتعددة مع أصحاب السلطة أو اصحاب المال، أو من فئة من المذهبيين الطائفيين.وقديما قيل: من عظمة المفكر أن يختلف حوله الناس. يمثل الشيخ يوسف القرضاوي اليوم علامة بارزة من علامات الحركة الإسلامية المعاصرة،بكل مكوناتها وبتعدد مناهجها ومداخلها التفكيرية.استطاع أن يحدث نقلة جوهرية في التفكير الإسلامي المعاصر.وكان من أوائل من دقوا جدران الخزانات التنظيمية.وتصدى،وهو شاب، لفئة من رجال الدين والكهنوت، وخاض معهم، وما زال، معارك فقهية وفكرية مستلهما الروح التجديدية لشيخه وصديقه محمد الغزالي. لعب دورا أساسيا في تنسيب فكر الحركات الإسلامية، وفي ترسيخ أهمية الفكر والنقد عندها فبل الفقه وقبل العمل وقبل الحركة. كما أقنعها بالعمل المدني ، الاجتماعي أو السياسي، وبالتعاون مع المكونات الفكرية والسياسية الأخرى الموجودة. وحذرها، من زمان، من خطورة العنف والعمل المسلح داخل المجتمع.فلولا المجهود الفكري والفقهي الذي قدمه يوسف القرضاوي لكان العنف السياسي المسلح والعنف الطائفي اليوم،بنظري،أكثر بكثير مما هو عليه. فبضل كتابات القرضاوي اقتنعت جماعات إسلامية بحشودها الكثيرة في العديد من البلدان العربية والإسلامية بالعمل المدني السلمي، وانخرطت في العمل السياسي. وبفضل كتاباته الفقهية النقدية والاجتهادية في العلوم الإسلامية؛ في علوم الحديث وفي علوم القرآن وفي علم أصول الفقه وفي السياسة الشرعية،بفضل ذلك تغيرت المسارات الفكرية والعقلية لعدد غفير من الشباب المتدين والمهووس بالدين،ممن يشكلون عادة مادة استقطابية للجماعات المسلحة. إن الذين يستهدفون القرضاوي اليوم إنما يستهدفون حالة فكرية راشدة وعقلانية، وأرضية مناسبة للتجديد الديني. إنهم يريدون الشباب المتدين أن يبقى رهينة في أيادي أمراء الحرب والعنف والإرهاب، يلعب الأدوار الوظيفية القذرة كما تحدد له، من محرقة إلى أخرى، ومن وحش تنظيمي عنيف مجهول الهوية إلى آخر؛ الأمس في أفغانستان واليوم في الشام،وغدا في مكان آخر. إن الحملة على القرضاوي هي حملة على حالة الوعي وسط الشباب الديني.إنهم يريدون حمقى ومهووسين بالدين،وربما صادقين ومتخلقين، ولكن غير واعين.