تكتسي الزيارة التي يقوم بها رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو لأربع دول من دول حوض النيل وهي إثيوبيا وكينياوأوغندا ورواندا أهمية خاصة من عدة زوايا.. فهي الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي للقارة منذ 22 عاما، وتتزامن مع حلول الذكرى الأربعين لعملية تحرير رهائن إسرائيليين بعد اختطاف مجموعة من الفلسطينيين للطائرة التي كانوا يستقلونها والتوجه بها لمطار عنتيبي في أوغندا الذي نفذها وراح ضحيتها شقيق نتنياهو. لعلنا نتذكر في هذا الصدد أن هذه المنطقة كانت بمثابة الوطن البديل المقترح لدى الآباء المؤسسين للكيان الصهيوني لإقامة "إسرائيل" حال إخفاق قيامها في فلسطين، إلا أن هذا هو الجزء الظاهر فقط من الزيارة.. لكن الجانب الأهم هو تزامن الزيارة مع قرب بدء إثيوبيا في عملية الملء الأول لخزان سد النهضة الإثيوبي، والذي سيكون له تأثير سلبي على حصة المياه القادمة لمصر من خلال النيل الأزرق على الأقل خلال مرحلة ملء الخزان. ومن ثم، فإن هناك تحليلات ترى أن "إسرائيل" التي مابرحت تقدم الخبرة والدعم الفني لإثيوبيا في عملية بناء السد، بل وخبراؤها يتواجدون باستمرار في وزارة الري الإثيوبية، تسعى للضغط على القاهرة من خلال ورقة السد للحصول على مليار متر مكعب من مياه النيل من خلال إحياء مشروع ترعة السلام التي توقف العمل بها مؤقتا بعد تطبيع السادات مع تل أبيب. ومن هنا فإن نتنياهو ربما يستهدف إرسال رسالة إلى القاهرة بضرورة الانصياع للمطالب القديمة الخاصة بالحصول على مياه النهر مقابل التوسط لدى أديس أبابا بخصوص شروط وسنوات ملء خزان السد وخلافه. يبدو أن زيارة نتنياهو لا تقتصر على هذا فحسب، وإنما يسعى أيضا لتجديد الطلب الذي سبق ورفضته إفريقيا منذ أكثر من أربعة عقود بخصوص الحصول على صفة المراقب في منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك، وخليفتها الاتحاد الإفريقي. وبالطبع يدرك الرجل أهمية الكتلة التصويتية الإفريقية في المحافل الدولية "54 دولة"، وبالتالي تستطيع حسم الكثير من الأمور التصويتية في الأممالمتحدة وفروعها. الوفد المرافق لنتنياهو والذي يضم 80 رجل أعمال من القطاع الخاص يشير أيضا إلى أهمية المدخل الاقتصادي في علاقة "إسرائيل" بالقارة الإفريقية، حيث تسعى إلى استغلال الثروات الهائلة التي تزخر بها القارة من أجل الاستثمار بها، صحيح أن حجم علاقاتها التجارية مع القارة لا تزيد على 2% من إجمالي تجارتها الخارجية، إلا أنها آخذة في التزايد. ويبدو أن هذا هو الفارق بينها وبين الدول العربية التي تجاهلت إفريقيا لعقود طويلة، مما جعلها تصل إلى تطويق هذه الدول من خلال سياسة شد الأطراف ثم بترها، فها هي قد نجحت في دعم انفصال السودان، ثم تدخل عبر مدخل محاربة الإرهاب خاصة في شرق إفريقيا "كينياوأوغندا تحديدا" لكي تتواجد في منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الإستراتيجية الحيوية للدول العربية خاصة مصر والسودان. وربما لم يكن من قبيل المصادفة أن تسبق هذه الزيارة موافقة الحكومة الإسرائيلية على فتح مكاتب للوكالة الإسرائيلية للتنمية الدولية في الدول الأربع التي يزورها نتنياهو هذه الوكالة تتبع مباشرة للخارجية الإسرائيلية، وتقوم على تقديم الدعم الفني فقط وليس المادي للدول المستهدفة. إن هذا الاستقبال الحافل لنتنياهو في إفريقيا يشير إلى أن "إسرائيل" باتت للأسف أقرب للأفارقة من العرب، لكن يبدو أن هذا أمر طبيعي في ظل وجود مساع عربية في المقابل للتطبيع مع "إسرائيل".