إن أكبر إشكال عرفه المغرب هو تأجيل المنجزات أو التراخي في السعي لتحقيقها رغم توفر كافة الإمكانيات لإنجاحها. البرلمان هو مرآة تعكس هذه الحقيقة بوضوح، حيث يتم إيداع مشاريع القوانين من طرف الحكومة ليتم إبداع كافة الوسائل لعرقلة المصادقة عليها وإصدارها وهو أمر غير سليم. سيقول قائل إن للحكومة أغلبيتها القادرة على المصادقة على القوانين من خلال التصويت عليها داخل البرلمان. نعم هذا ما يفترض تحققه، لأن البرلمان الذي ينصب الحكومة ويمنحها الثقة،يجب أن يسمح لها بتنفيذ برنامجها من خلال أهم آلية مؤطرة للسياسات العمومية وهي آلية التشريع، وهو أمر متوفر للحكومات المنصبة برلمانيا في الأنظمة الديمقراطية التي تحترم مشروعية التمثيل التي تفرزها الصناديق المعبرة عن إرادة الشعوب. في سياق الحديث عن حقوق المعارضة البرلمانية، لابد من التأكيد على أنه من الايجابي للعملية الديمقراطية أن تقوى آليات الرقابة المتوفرة للمعارضة لانتقاد الحكومة ومساءلتها وإحراجها، غير أنه ليس من السليم أن تمكن المعارضة من خلال نظام داخلي غير متوازن من آليات عرقلة العملية التشريعية واهدار الزمن التشريعي المحدود. كيف سنحاسب حكومة منتخبة ومنصبة برلمانيا بعدما نصادر حقها في التشريع؟ هل يعقل أن تتمكن المعارضة التي يفترض فيها أن تسائل وتنتقد وتراقب الحكومة، من التحكم في اختيارات الحكومة وتوجيهها بعرقلة التشريع وإصدار القوانين؟ يسمح النظام الداخلي لمجلس النواب وكذا مجلس المستشارين بتقديم غطاء مسطري لعملية التأجيل والتمطيط المتكرر والمتعمد الذي تنتهجه المعارضة حيث يسند النظام الداخلي لمجلس النواب لمكاتب اللجان ورؤسائها اتخاذ قرار انعقاد اللجان. وبما أن مكاتب اللجان تمثل فيها الفرق النيابية على قدم المساواة مع وجود رؤساء من المعارضة على رأس أربع لجان، فإن مجرد الاتفاق على انعقاد اللجنة لدراسة مشروع او مقترح قانون يبقى عملية صعبة، حيث يكفي أن يعترض عضو أو عضوين من أعضاء المكتب على انعقاد اللجنة لأي سبب من الأسباب حتى تظل اللجنة معطلة في انتظار التوافق. بل الغريب أن مكتب اللجنة يتفق على انعقادها بحضور ممثلي كافة الفرق صباحا، حتى يتم وضع طلب تأجيل الموعد من طرف فريق أو أكثر دون الحاجة الى بسط الأسباب والمبررات، وهو أمر يتكرر بطلبات متكررة لتمديد آجال إيداع التعديلات دون إيداع هذه التعديلات في بعض الأحيان. منطق الحرص على التوافق الذي تحاول الأنظمة الداخلية للبرلمان احترامه، منطق غير سليم وغير متماسك إذا ما عرض على محك الديمقراطية. منطق التوافق يمكن الاحتكام إليه حين تنضج شروط العملية السياسية ويكتمل نضج الفاعلين بداخلها، حتى لا تتحول الآليات المسطرية التي وضعت لتعبئة التوافق إلى آليات حقيقية للعرقلة وتعطيل المؤسسات وتمييع تدبير الزمن بداخلها، وإلا فالأسلم هو تحميل المسؤوليات لكل طرف حسب موقعه السياسي، أغلبية حكومية ومعارضة. حين تحيل الحكومة مشروع قانون معين، فيجب على البرلمان أن يحترم آجالا صارمة باعتباره مؤسسة محكومة بالدستور والقانون وليس بأمزجة الأشخاص والأحزاب. فليس من المعقول أن تتسامح ديمقراطيتنا الناشئة مع منطق العرقلة و"نسف" اجتماعات اللجان و"تفجيرها". رتابة الزمن التشريعي وسوء حكامته داخل البرلمان يعود غالبا الى ارادة ممنهجة لفرق المعارضة، حيث عرقلت التصويت على قوانين بعينها بقرارات لأحزاب سياسية، كما يعود في أحيان للكسل والرغبة في تخفيف ساعات العمل للقلة القليلة التي تواظب على حضور اجتماعات اللجان (وتلك معضلة أخرى) .